حين تزفّ الأرض عرسانها ينبت العشب وطناً من جمر ونور
عبير حمدان
أن تحاكي الأرض ومن يذود عنها بالنبض والروح، ففي ذلك فعل وجود يتخطّى الواجب. فكيف إذا ما سعيت إلى ترسيخ الحكاية في إطار فنّي مدروس وبجهد شخصيّ من دون أن تتّكئ على رصيد مالي مفتوح، كما الحال مع طفرة الإنتاج السينمائي المنتشر على قاعدة السطحية والقامة الممشوقة من دون أيّ اقتران بالواقع.
«إسوارة العروس»، حكاية نسجتها مخيلة الكاتب والمخرج عفيف محمود حيدر وأنتجها أحمد فحص من دون أي خشية من تكرار الفكرة المرتبطة بالوطن، ومن يحميه. اختار حيدر رفع القبعة للجيش اللبناني، وهي خطوة تُحسب له كونها الأولى كفيلم سينمائي طويل بعد «أديم»، الفيلم القصير لزميله عادل سرحان.
هي مغامرة إذاً للثنائي حيدر وفحص في محاولة لترسيخ الحياة الواقعية على الشاشة الفضية، لكنهما يصرّان على المجازفة لقناعتهما بأن المتلقي ليس غبياً ويمكنه التمييز بين الفن الجيد والفن الاستهلاكي. وحين تُقدم له مادة سينمائية عميقة ومستوحاة من تفاصيل حياته اليومية، سيرمي كل ما سبقها من القصص السطحية والانفعال المصطنع خلفه، ويختار الأفضل والأكثر صدقاً.
يبدأ عرض فيلم «إسوارة العروس» في صالات السينما الشهر المقبل، وقبيل إطلاقه كان اللقاء مع كاتب العمل عفيف محمود حيدر ومخرجه، ومنتجه أحمد فحص للإضاءة على بعض التفاصيل والصعوبات التي واجهتهما قبل التصوير وخلاله.
حيدر: الجيش حالة جامعة
نبدأ مع حيدر، من الاسم الذي اختاره ورمزيته والسبب وراء هذا الاختيار، ليقول: الإسوارة ترمز إلى الغالي الذي نملكه ونصرّ على حمايته. القصة عبارة عن فنتازيا في إحدى القرى الجنوبية نتناول فيها آفة التعامل مع العدو وهي تمسّ كل فرد منّا من دون أيّ فئوية في الطرح… إنه الصراع بين طرفَي نقيض، بين العميل، والوطني الذي يختار الإنخراط في صفوف الجيش اللبناني.
«حبيب» و«ربيع» ضدّان على الأرض نفسها، يختار الأول الوطن فتقع المواجهة، وحين يخرج «حبيب» من القرية تصبح المواجهة بين «أمّ حبيب» و«ربيع» الذي وعد عروسه أن يعود ومعه «الإسوارة». ويتم قصف الثكنة العسكرية أثناء غيابه لجلبها فيختار العودة إلى الثكنة بدل أن يأخذ الهدية الموعودة لعروسه. وهنا تبدأ الحكاية.
أما لماذا الإشارة إلى الجيش تحديداً فيقول حيدر: الجيش حالة جامعة لكل أبناء الوطن، اعتدنا على القصص التي تناولت المقاومة من جانب واحد، وبناءً على لذلك أردت أن أقدّم طرحاً مغايراً للسائد. لم نتحدث في الجانب العسكري كثيراً في محاولة للخروج من دائرة التكرار. وسترون في العمل إشارات كثيرة إلى شخصيات افتراضية من السهل ربطها بواقعنا اليومي. معظم الأعمال التي تناولت المقاومة لم يكتبها أبناء هذه البيئة. وبرأيي هذا أمر غير منطقيّ، وقد ينجح لمرّة ولكنه لا يصيب مرّات.
لكن هل يرى حيدر أن الاعمال التي تلامس الواقع جدّياً تفتقد إلى الجمهور، يجيب: للأسف، الجمهور منقسم في ما يتصل بالطرح. ومعظمه يذهب نحو الأعمال السطحية والمبتذلة في مكان ما. والمسؤول عن ذلك شركات الانتاج التي تتحكّم بهذا القطاع، وأحياناً يتدخل المنتج في التفاصيل كافة بما يتلاءم مع منطقه التجاريّ وعلى حساب القصة. ثم أنّ هناك مسألة الترويج والضجة الإعلانية التي تسبق أيّ عمل سينمائي وأربابها أتقنوها بشكل فاعل، لتأتي مبهرة للمتلقي فيظن أن ما سيشاهده سيكون عظيماً، بينما هو واقعاً بلا مضمون. لكن رغم ذلك هناك جمهور نخبوي قادر على التمييز ولو بنسبة قليلة.
ويتابع في إطار متصل: هناك كمّ كبير من الأفلام السينمائية اللبنانية، ولكنها غير قادرة على المنافسة، وغالبيتها ذات حبكة ضعيفة ونصّ ركيك. هناك هوة بين الطرح السينمائي اللبناني وبين المجتمع اللبناني. معظم الكتّاب يصرّون على تقديم صورة نمطية غير واقعية ولا تشبهنا، ما يجعلنا نفقد المصداقية على المدى الطويل. أنا من المؤمنين بنظرية المؤامرة التي تستهدف ثقافتنا ومجتمعنا منذ زمن، وبكل تواضع أجزم أن فيلم «إسوارة العروس» مرآة لواقعنا بعفويته وثقافته وقد يكون الخطوة الأولى في تقويم الخلل.
أما عن إمكانية إنتاج عمل سينمائيّ بتقنية جيدة وبكلفة معقولة فيؤكّد فحص: هناك من يعطيك أرقام خيالية وأنا لا أشكّك في الأرقام التي يعلن عنها معظم المنتجين، وهي حقيقية. ولكن بكل بساطة أجزم أنه يمكن إنجاز عمل سينمائيّ كامل متكامل بتقنية جيدة وبكلفة معقولة، شرط أن يكون فريق العمل مبدعاً وخلاّقاً، وقد حققنا هذه المعادلة في فيلم «إسوارة العروس»، وسترون ذلك جليّاً بعد العرض الأول. وأقول ذلك بكل تواضع.
فحص: محاكاة الواقع
لا يعتبر أحمد فحص منتج العمل أن ما يقوم به مخاطرة. ويثق بأن الطرح يلامس الناس. وعن تجربته الإنتاجية الأولى يقول: ما سنقدّمه يختلف عن كل ما هو سائد سينمائياً لأنه يحاكي الواقع ويلامس الناس. ولا أعتبر أنني أقوم بمخاطرة غير محسوبة. بالعكس، نحن كفريق عملنا بجهد وجدّية بعيداً عن الايحاءات المبتذلة. وأتوقع أن نحصد النجاح.
وعن كيفية اتخاذ قرار إنتاج فيلم سينمائي يضيىء على تضحيات الجيش اللبناني يقول فحص: حين تعرّفت إلى الصديق عفيف وعلمت أن لديه سيناريو من كتابته جدير بالانتاج السينمائي، قرّرنا سوياً أن نخوض التجربة، وقمنا ببعض التعديلات في النصّ وبدأنا العمل. الفيلم عبارة عن تسعين دقيقة نحكي فيها عن تضحيات الجيش في سبيل حماية الوطن.
ويشير فحص إلى أن الفيلم سيكون في صالات السينما في بيروت والجنوب مطلع أيار المقبل. ورغم أن فريق العمل صغير، إلا أن الترويج للعمل مدروس وجيد.
ولا يخفي الثنائي حيدر وفحص أن معظم شركات الانتاج القوية الموجودة على الساحة تراهن على فشلهما، لكنهما مصمّمان على المضي حتى النهاية في خطوتهما السينمائية الأولى، ويثقان بقدرتهما على تذليل الصعاب وكسب اهتمام الجمهور.
لا ينفي فحص أن العقبات كانت موجودة لكنها ذُلّلت بالتصميم والإرادة. أضف إلى ذلك أن النجومية تكمن في القصة لا في الأسماء المشاركة فيه فحسب.
ويبقى في جعبة الثنائي الكثير من الأفكار التي تنتظر التنفيذ، ما يضعهما على سكة التحدّي لإثبات قدرة الكاميرا على الدوران في فلك النصّ الجيد والواقعي، تحت وطأة ما نشهده من تسطيح فنّي درامي وابتذال سينمائي.
يذكر أن الفيلم من بطولة وفاء شرارة وحسن فرحات وهادي طراد ومحمد علاء الدين وباسل شكر، والوجه الجديد أليسار فقيه. وضيف الشرف الفنان القدير حسام صبّاح، ومع مشاركة خاصة للشاعر أحمد منصور.