أراكِ منتصرةً رغم العناء… حلب الشهباء!
في ثنايا صدورنا تتمزّق وتتفتّت أوجاعنا. نحاول لملمة جراحنا وجرفها حتى لا تتكوّم في قلوبنا وتصير جبالاً. ولكن آهٍ من ذلك العذاب الذي يلفّ أعناقنا ويخنق أنفاسنا. وآهٍ من وجع صار معادلةً صعبةً ومسألةً معقّدة.
الحل مستحيل، والشفاء منه معجزة. فما من قلوب ترقّ لبؤسنا، وما من أحد يرحم شقاءنا. خطواتنا تنزف وأعماقنا تصرخ. فهل بقي في جعبتنا ما لم ندفع ثمنه حتى ندفعه ونتحرّر من براثين حريتهم المريضة؟
هل بقي في ذمتنا حقّ لم نفيه حتى لم يرتوِ الحاقدون بعد من عروقنا النازفة؟ غادرَنا الصباح حزيناً، وتسلّل الظلام إلينا لاجئاً ناشراً أرديته السوداء على كل جوانب حياتنا، فأزاح الشمس عنوة من نهاراتنا. ولم يعد الشعر كافياً لرثاء أحوالنا
إلى أين نتلفت؟ إلى أين نتلفّت والجمر يسترخي على أكتافنا لتتمدّد النار في أجسادنا ويحترق أطفالنا؟ إلى أين نتلفت، والموت يساق إلينا يدور وينشط حولنا بألسنته الغادرة الممتدة من كافة أصقاع العالم؟
ولكن، في حلب كانت له حكاية ثانية، وكل ما في حلب يصرخ حرقة ولوعة. الحجر فيها أثقله الهمّ، يتّكئ على ذيل الطرقات يبكي الدموع وينزف الدماء. فمتى تُعفى الكرامة الإنسانية من الذلّ وهي تستجدي راجية أقصى الجهد وعدم الإبطاء في إنقاذ الشهباء الجميلة التي تلفظ أنفاسها الأخيرة. ولكن ليس في غرفة إنعاش فاخرة ومشفى كبير، إنما شُرّدت تحتضر في شوارعها الملغومة بأحقاد الوهابية والإخوان.
حلب أهل الجود والسخاء صارت صحراء مقفرة شديدة العقم، لدرجة العدم في كل شيء إلا الموت.
إلى متى سيبقى التفاخر الكاذب في محاربة الإرهاب ؟ والإرهاب قابع في قلوبهم يأمرهم؟ إلى متى سيبقى العالم يصدّق أن هناك «معارضة» تخاف على مصلحة الوطن؟ تبّاً لمن يعارض وطنه في زمن الحرب. تبّاً لمعارضة تحمل الودّ والولاء للصهاينة، والحقدَ والغيّ لشعب سورية الأبيّ.
كيف كان الوطن قبل تلك المؤامرة الكونية؟ كيف كان الوطن وكيف كنّا نحن؟ فهل من شقاء في الماضي عرفته حلب العزّ والدلال؟ حلب الحضارة والتاريخ، وهل من وجع اشتكت منه سابقاً حمص أمّ الفقراء، أو حماة ودير الزور؟
اصبري يا حلب، اصبري يا ماضٍ مجيد ومستقبل سيشرق رغم أنوف الأعداء. اصمدي، فلأنك عروس النصر أرادوا لك الهلاك والدمار. لأنك نقطة الفصل الهامة أرادوا نسف كل ما فيكِ كي لا تنهضي من جديد، ولتنهار سورية بلد الكرامة والإباء.
لا تيأسي أرجوكِ، وقاومي وباء الللصّ أردوغان، وطمع الأميركان. لا تيأسي فإني أراك جميلة شامخة رغم كلّ ما حصل في أنحائك من تشويه. أراك منتصرة، تضحكين رغم الدمع، ورغم فظاعة ما عانيتِه حلب الشهباء.
سناء أسعد