مأزق «إسرائيل»: وقف الحرب قدرٌ وليس خياراً
العميد ناصر أيوب
تعيش «إسرائيل» مأزقاً مذ قرّر الكيان الصهيوني توسيع العمليات العسكرية في غزة ومراوحة حالة الحرب للوصول إلى وقف إطلاق نار. ومأزق «إسرائيل» متعدّد الجانب، فهي تخسر الكثير، خاصة أنّ حربها تستهدف قطاعاً لم يبق لديه ما يخسره.
أكثر ما أذهل «الإسرائيليين» أنّ استخباراتهم وجيشهم وحكومتهم منذ اليوم الأول من الحرب وصمود المقاومة في غزة تآكلت قدراتها وراحت تستغيث حلفاءها لوقف إطلاق النار، وانقلب السحر على الساحر، وتبيّن للقاصي والداني أن المقاومة هي التي ترفض وقف الحرب إذا لم ينص وقفها على ما يحفظ دماء الشهداء، وإذا لم تستطع حماية حق أهل غزة بفك الحصار عنها، رغم أنها، بمنطق القوي والضعيف في الحالات الطبيعية مقارنة بقدراتها وقدرات الجيش «الإسرائيلي»، هي الطرف الذي يجب أن يسارع الى طلب وقف إطلاق النار وفك الحصار من الناحية العسكرية. صمود أجبر «إسرائيل» على الاعتراف بأن عناد المقاومة استدرجها إلى احتلال القطاع.
يرى مدغيلت، وهو كاتب «إسرائيلي»، أنه يصعب على بنيامين نتنياهو وموشيه يعلون وبني غانس أن يجدوا السبيل الذي يترك لـ«إسرائيل» إنجازات في ميدان القتال. ويشير مدغيلت إلى أن صورة الإنجاز باتت رمادية إلى حدّ ما إذ يُشوّش على الرأي العام، كأن نتانياهو ويعلون يحسنان توسيع العملية العسكرية. ويحذّر آخرون بحكمة من أنه لا يجوز لهما السير في المكان نفسه وإن كانا يتصرفان على أنهما عالمان بالمشكلة، مشيراً الى عدم القدرة على وقف إطلاق النار رغم الجهود المصرية خلال المعارك.
قبل أيام من وقف إطلاق النار كان المصريون لا يزالون يحاولون بدعم «إسرائيلي» وأميركي تهيئة هذا الواقع، إنّما كان يصعب عليهم أن يتخلصوا من العقدة الملازمة للاتصالات منذ أسبوع قبل وقف النار، وبدا حينذاك انّ مصر هي التي علّقت المحادثات شرط وقف إطلاق النار أولاً، فيما طلبت «إسرائيل» البقاء في الميدان لمعالجة موضوع الأنفاق، وكانا يواجهان ما أظهرته المقاومة في غزة من أن وقف إطلاق النار لن يشمل التساهل مع بقاء أي قوات بداعي أنها تعالج الأنفاق.
كذلك قبل وقف النار، كان المراسلون العسكريون «الإسرائيليون» لا يزالون يتحدثون عن الأمر كأنهم يؤدّون مهمة ضرورية بتكليف من الشؤون «المعنوية» في الجيش، لكن ذلك لم يحل دون طرح تساؤلات تارة والحديث عن المأزق تارة أخرى. ومنذ ذلك الحين كان واضحاً أن «الإسرائيلي» موجود بين خيارين، إما تنفيذ انسحاب من جانب واحد، أو مواصلة الزحف الى داخل القطاع. ووجدت «إسرائيل» نفسها في مأزق كبير، فإما تراوح مكانها، أو تزحف وتدمر الأنفاق. أي إمّا الى الأمام بقوة أو إلى الوراء نحو الديار، فيما يترك استمرار إطلاق النار لسلاح الجو.
جرّبت «إسرائيل» خياراتها كافة ولم تترك مجالاً للشك في منحها فرص النجاح، سواء التقدم الى الأمام، أو التراجع وترك سلاح الجو يقوم بالمهمة، لكنها وجدت أن المقاومة في غزة غير آبهة لوقف إطلاق النار، وتبيّن ذلك بعد 25 يوماً من القتال. لم تستغث فيها المقاومة بأحد، ما يعني أنها تملك القوة والقدرة على المواجهة مهما طالت الأيام ورغم الضربات القاسية والمجازر المؤلمة في حق الأبرياء والمدنيين.
رأى «الإسرائيليون» أنفسهم مجبرين على التوقف وعدم دخول غزة التي لا تجلب لهم سوى الكوارث، وذاك ما قالته «القناة الثانية» فيما تجري المفاوضات على قدم وساق في القاهرة نقلاً عن عدد من ضباط الاستخبارات وكبار قادة الميدان، فتحقيق الهدف المدعو «وقف الصواريخ» يستدعي اجتياحاً كاملاً لقطاع غزة، وكلفة هذا العمل هي مئات الجنود من القتلى وألوف الجرحى ومدة لا تقلّ عن خمس سنوات من الحرب المتصلة.
قرار وقف الحرب هو قدر «إسرائيل» وليس خيارها.