الحريري في تركيا… ليس للرئاسة فلماذا إذاً؟
روزانا رمّال
واحد من اثنين تعني هرولة الرئيس الأسبق سعد الحريري إلى تركيا لزيارة الرئيس رجب طيب أردوغان، الأول اعتبار الحريري أنّ تركيا لاعب أساسي في الساحة اللبنانية وقد يحتاج ذلك لبعض التساؤلات المترافقة مع شكوك تصبّ في دور أمني بحت لدعمها مجموعات قابعة في جرود البلاد، والثاني يعني أنّ الحريري بشخصه ينتظر أو يراهن على حدث إقليمي ما في المنطقة ليبني على أساسه خطواته المقبلة، وفي الحالتين يكشف الحريري نفسه أمام دورين يشوبهما الكثير من الالتباسات في هذا التوقيت بالذات.
يلتقي الحريري إضافة إلى أردوغان كبار المسؤولين الأتراك، ويبحث معهم الأوضاع في المنطقة والعلاقات الثنائية في حين لا تسمح صفته النيابية بهذه الحركة ولا تغطي لقاء رئاسياً بهذا الحجم يكرّر التذكير بزيارته موسكو، كيف وأنه توجّه نحو تركيا بوقت تستعر المعارك في حلب بمؤشر على تصعيد تركي صريح، فـ»جبهة النصرة» تسيطر بشكل مباشر على المدينة تماماً كما تسيطر الجبهة على مدينة عرسال اللبنانية وجرودها، أيّ أنّ الدور التركي في المحطتين مشهود.
يمكن للحريري كمسؤول لبناني البحث مع الأتراك بين مسؤولين أمنيين ومعنيين بملف منطقة عرسال ومصيرها المعلق بين أيدي «جبهة النصرة» و«داعش» إضافة إلى مصير العسكريين اللبنانيين المختطفين، لكن هذا لم يطرح على ما يبدو، وتوقيت الزيارة في ظلّ تصعيد تركي سعودي في حلب يعني ضرورة مسارعة الحريري للاستكشاف عن ماهية العملية وإمكانية تطوّرها وامتداد تداعياتها على لبنان، وبهذا الإطار يبحث الحريري احتمالات تأثر الساحة اللبنانية بالمخاطر التي تحيط بحلب، خصوصاً إذا بدأت روسيا وحلفاؤها بتنفيذ الخطة الشاملة في حلب واستعر المشهد أكثر.
يؤكد الحريري للوفد الصحافي المرافق أنّ زيارته تركيا ليست لبحث ملف رئاسة الجمهورية، بل لشرح خطورة الفراغ على لبنان، هذا لن يضيف جديداً على مسامع المسؤولين الأتراك ولا أردوغان تحديداً المهتمّ أولاً وأخيراً بمصير الحدود بين تركيا وسورية وملف الأكراد ومعركة حلب الموعودة، بالتالي فإنّ الزيارة لا تتعلّق بالاستحقاقات المحلية اللبنانية لا من قريب ولا من بعيد، وإذا كان الحريري ذهب لاستطلاع النيات التركية في حلب فإنّ هذا يعني نيات مبطنة لديه بإمكانية المراوغة مجدّداً بملف الرئاسة اللبنانية، فإذا كان ميزان القوى يتجه مجدّداً نحو خطة تركية تصعيدية تراهن انقرة على تمكينها من استعادة زمام الأمور، فإنّ هذا يعني أن لا حاجة للحريري ليتمسّك بمرشح من قوى 8 آذار واعتبار نفسه محكوماً بما من شأنه أن يعتبر هزيمة محلية بكلّ الأحوال، وإذا كان هذا رهان الحريري فعلاً فإنه سيتملص تدريجياً من ترشيح فرنجية إلى الرئاسة، كلّ ذلك يعتمد على النفس التركي – السعودي في معركة حلب التي تحسم وضع سورية بين نصر أو هزيمة شبه كاملين.
يلفت إعلان وزارة الخارجية الروسية عن تعرّض قنصليتها في حلب لقصف مدفعي من قبل «جبهة النصرة» ما يعني في باطنه تصعيداً تركياً عبر رسالة مباشرة لروسيا، فأنقرة المسؤول الأول والأخير عن نشاط المسلحين هناك، وإذا كانت معارك حلب والتصعيد التركي – السعودي بخرق الهدنة فيها شبه محاولة لحرف الأنظار عن مفاوضات اليمن وما تشكله من هزيمة جدية للسعوديين، فإنّ التصعيد التركي أيضاً يفسّر ضغطاً على روسيا في ملف الأكراد واستعداداً تركياً للاستدراج لمعركة كبيرة بحلب، وهذا من شأنه الإشارة إلى التعقيد المستمر والفجوة الكبيرة بالعلاقة الروسية التركية ويؤكد أنّ مصير المفاوضات السورية لا يزال شائكاً وصعباً في الوقت الراهن، فنيات التصعيد التركية ستقابل بدون شك بتصعيد روسي مقابل في حلب إذا لم تتراجع تركيا والسعودية عن خرق الهدنة بوقت مقنع ومقبول يلملم الخرق ويعيد المشهد للوضع السابق، أيّ منذ شهر، وعلى هذا الأساس أعلنت وزارة الخارجية الأميركية أنّ كلاً من واشنطن وموسكو تبحثان خطوات عاجلة للحدّ من العنف في حلب.
يقول الكولونيل الأميركي ستيف وارن، وهو المتحدث باسم قوات التحالف، إنّ الأمور معقدة خصوصاً أنّ «جبهة النصرة» هي التي تسيطر على مدينة حلب وهي ليست مشمولة باتفاقية وقف إطلاق النار، ما يعني أنّ الرسائل التركية غير المباشرة لا تزال موضع تبرير لدى الإدارة الأميركية، أيّ أنها تبتز هي الأخرى روسيا بطريقة غير مباشرة عبر إعلانها التملص من قدرتها على السيطرة على نشاط حلفائها الأتراك، وكلّ هذا يُضاف إليه تصعيد أميركي برز في الإعلان عن إرسال مجموعة من الجنود الأميركيين إلى سورية بعدما كانت قد أحجمت الإدارة الأميركية عن إرسال قوات أميركية منذ أن بدأت سياسة سحب الجنود من العراق وعلى أنّ عدد الجنود الذي لا يتخطى 150 قليل نسبياً إلا أنه يعتبر رسالة أميركية مباشرة تمهّد لدور محدّد أو نيات مستقبلية في مكان ما تحتجزه واشنطن في سورية. ومن المرجح أن يكون تمهيداً لحضور أقوى في مجال مكافحة الإرهاب لما يعنيه ذلك من تسويق هامّ لدى الرأي العام الأميركي لإدارة أوباما في أيامها الأخيرة.
يعلن الحريري بزيارته تركيا عن انتظاره ما تؤول إليه الأمور في سورية لحسم موضوع الرئاسة وبذل جهد توافقي اكبر لجهة الاقتراب أكثر من رغبة حزب الله من عدمها، وهذا الارتباط يعني إمكانية أن تتحوّل فكرة ترشيح الحريري لفرنجية مناورة لتقطيع الوقت، بانتظار الحسم السوري في تحديد هوية المرشح في عودة واضحة إلى المربع الأول والمجهول في لبنان.