تقرير
كتب رياض محمد في «فيسكال تايمز»: في حين يحقّق التحالف بقيادة الولايات المتحدة الذي يقاتل «داعش» تقدّماً حقيقياً على الأرض، تهدّد الفوضى السياسية العارمة في العراق بتقويض تلك المكاسب التي تحققت بفضل قتال ضارٍ.
وقد وصلت الأزمة السياسية المتواصلة في العراق نقطة انعطاف أخرى. ففي الأسبوع الماضي، وضعت وزارات عدة تحت الحصار في بغداد من جانب المتظاهرين الذين كانوا يحاولون الدخول إلى المنطقة الخضراء المحروسة بكثافة، والتي تضم السفارة الأميركية ومقرات الحكومة الوطنية العراقية. وهناك في العراق اليوم برلمان منقسم ورئيسان للبرلمان: أحدهما يدعمه المتظاهرون الشيعة، والآخر يدعمه السنّة والأكراد.
وفي الأثناء، يحاول المسؤولون الأميركيون المحافظة على الزخم الأخير. ويوم الاثنين من الأسبوع الماضي في بغداد، أعلن وزير الدفاع الأميركي، آشتون كارتر، عن نشر 200 جندي إضافي من القوات الخاصة الأميركية في العراق. كما أضاف أيضاً طائرات «آباتشي» العمودية ودعماً مالياً بقيمة 400 مليون دولار لتمويل الأكراد العراقيين. وكان وزير الخارجية الأميركية، جون كيري، أعلن في بغداد قبل أسبوع أن أيام «داعش» أصبحت معدودة.
أنفقت الولايات المتحدة ما يقارب من 7 مليارات دولار من أموال دافعي الضرائب، وشنّت أكثر من 11.000 غارة جوية ضد «داعش» على مدار الأشهر العشرين الماضية. وقد خسر «داعش» تقريباً كل معركة رئيسة خاضها في العراق وسورية في السنة الماضية. وكان الإجمالي لهذه الخسائر على تمويل المجموعة، وقيادتها، وتسليحها، واتصالاتها الدعائية وقواها العاملة، كبيراً جداً.
إننا لا نشهد الآن تحولاً في دينامية وزخم الحملة التي تقودها الولايات المتحدة ضد «داعش» فحسب، إنما يحتمل كثيراً أننا نشهد الآن بداية نهاية المجموعة كلاعب قائم على دولة.
كيف تحوّل الزخم؟
ـ العراق: في شمال بغداد، استعاد الجيش العراقي والمليشيات الشيعية مدينة بيجي الاستراتيجية حيث توجد أضخم مصفاة لتكرير النفط في العراق في تشرين الأول 2015. وكان الهجوم في ذلك الشهر من أكبر الهجمات حيث شهد مشاركة قوات كافية لا تكفي لتطهير المدينة ومصفاتها فحسب، إنما أيضاً للتقدم أبعد نحو الشمال والمحافظة على الأمن في المنطقة.
وفي الشهر التالي، شنّ الأكراد هجوماً رئيساً على سنجار في شمال غرب العراق. واستعادوا المدينة التي كانوا فقدوها في آب 2014، قاطعين بذلك خط إمداد رئيساً بين الموصل، ثانية كبريات المدن العراقية، وبين الرقة، عاصمة «داعش» في سورية.
وقدّم الجيش الأميركي المشورة للجيش العراقي بمحاصرة «داعش» في مدينتَي الرمادي والفلوجة. ونجحت المناورة وحُرّرت الرمادي في كانون الأول 2015. وتم تطهير منطقة واسعة إلى الشمال من الرمادي وإلى الجنوب الغربي من بيجي في الشهر الماضي. كما واصل الجيش العراقي اندفاعته في الأنبار هذا الشهر، وتمكن مؤخراً من تحرير مدينة هيت.
ـ سورية: بدعم من الضربات الجوية الأميركية، شنّ الأكراد السوريون ثلاثة هجمات رئيسة ناجحة على أراض يسيطر عليها «داعش». وقد حرّر الهجوم الأول مدينة الهول الاستراتيجية والمناطق المحيطة بها في شمال شرق سورية في تشرين الثاني 2015.
وتمكن الهجوم الثاني من استعادة سدّ تشرين والمناطق المحيطة به في شمال سورية في الشهر التالي. وشهد الشهر الثالث مزيداً من التقدم من الهول إلى مدينة الشدادي والمناطق المحيطة في شباط 2016. وسيطر الأكراد على ستّ مدن وبلدات وأكثر من 650 قرية من «داعش»، كما تمت استعادة سدين وأربعة حقول نفطية ومحطتَي غاز وست نقاط حدودية وقاعدة عسكرية.
وبدعم من الجيش الروسي، حققت القوات الحكومية السورية انتصارات عدّة. فقد تم رفع الحصار الذي كان يفرضه «داعش» على قاعدة كويرس التي تسيطر عليها الحكومة في شمال سورية في تشرين الثاني. واستعيدت مدينتا تدمر والقريتين في وسط سورية في الشهر الماضي. وأخيراً، استعاد «الثوار السوريون» بدعم عسكري تركي جزءاً كان يسيطر عليه «داعش» من الحدود التركية ـ السورية.
وبالإجمال، خسر «داعش» أكثر من ربع الأراضي التي كان يسيطر عليها قبل سنة. وهو يحكم الآن عدد سكان يقل ثلاثة ملايين عما كانت تحكمه. وتشير حالة المجاعة في الفلوجة التي ذُكرت مؤخراً إلى مدى الصعوبات التي يواجهها «داعش» الآن في توفير الغذاء للناس الذين يسيطر عليهم راهناً.
كما ذكر أن مقاتلي «داعش» أصبحوا يفرّون من ساحات المعارك بأعداد أكبر. وإذا ألقي القبض عليهم، فإن «داعش» يقوم بإعدامهم بطبيعة الحال. وقد أصبحت الخرافة عن مقاتل «داعش» الذي يقاتل حتى الموت تتلاشى. وكانت القوات المعادية تحتاج إلى أشهر عدّة لكسر إرادة جنود «داعش» في القتال. لكنها أصبحت تحتاج الآن إلى بضعة أسابيع فحسب.
التغيير في التكتيكات العسكرية
ساهمت تغييرات القيادة في داخل الجيش الأميركي في تحسّن الأداء ضدّ «داعش». والقائد الجديد في القيادة الوسطى الأميركية هو الجنرال جوزف فوتل، الذي أدار في السابق قيادة العمليات الخاصة. كما تسلم الجنرال ريموند ثوماس، الذي خدم كقائد لقيادة العمليات الخاصة المشتركة السرية في فورت براغ، وظيفة فوتل القديمة.
ويأتي فوتل وثوماس من عالم الظل للعمليات الخاصة، الجهاز المسؤول عن ملاحقة أعداء أميركا واصطيادهم، بدءاً من صدام حسين وانتهاء بأسامة بن لادن.
ويرافق التغير في القيادة تغيراً ملحوظاً في التكتيكات العسكرية. فقد أصبحت الغارات الجوية ضدّ «داعش» أكثر تركيزاً خلال الأشهر القليلة الماضية. وأعاقت الضربات الجوّية عمليات «داعش» النفطية مع تدمير أكثر من 1.200 هدف لها صلة بالنفط، وفق كيري. كما استهدفت حملة أخرى مصرف «داعش» ومصادر تمويله. وهناك الآن حملة ثالثة تستهدف مراكز اتصالات التنظيم. وقد أسفرت الضربات تحت القيادة الأميركية عن نقص حاد في رواتب مقاتلي «داعش» ما تسبب في إثارة مشاعر الحنق في صفوف المقاتلين وقلل من التجنيد.
ووفق أحد التقارير، قُتل حوالى 25.000 مقاتل من «داعش» منذ بدء الحملة بالقيادة الأميركية. وتقدّر وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية أن عدد مقاتلي «داعش» أصبح يتراوح راهناً بين 20.000 و25.000، مسجلاً بذلك أخفض مستوى له منذ نهاية 2014. وأفضت خسارة الأراضي والناس والنفط إلى هبوط عوائد «داعش» الشهرية من 80 مليون دولار إلى 56 مليون دولار.
وفي الأثناء، تستمر الحملة لاصطياد قيادات التنظيم وقتلهم. وفي الشهر الماضي، قُتل قائدان رفيعان في «داعش» في سورية أثناء غارات جوية أميركية. أبو علاء العفري، الرجل الثاني في قيادة التنظيم، وأبو عمر الشيشاني جورجيّ المولد، وأرفع قائد عسكري في «داعش» وكان قد أعلن عن مقتل كلا الرجلين خطأ في السابق .
وحتى عمليات «داعش» الدعائية الضخمة ضعفت. وكان موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» قد أعلن في شباط الماضي أنه أغلق 125.000 حساب مؤيّد للمجموعة في الشهور السبعة الماضية. ووجدت دراسة لجامعة جورج واشنطن عن التطرف أن هناك حوالى 1000 حساب مؤيد للتنظيم تغرد بنشاط باللغة الإنكليزية. أما أشرطة فيديو التنظيم التي كانت متوفرة دائماً على «يوتيوب»، فقد أزيلت كلّها بقوة.
المخاطر في الأمام
على رغم التقدم الكبير الذي تم إحرازه في الأشهر القليلة الماضية، ثمة تطوران سجّلا في سورية والعراق، واللذان يثيران القلق ويهدّدان بتقويض كل ما تم إنجازه حتى الآن. ففي العراق، تواجه الحكومة الضعيفة برئاسة حيدر العبادي مقاومة على جبهات عدّة: واحدة ينظّمها النصف الشيعي من أعضاء البرلمان العراقي الذين أطاحوا برئيس البرلمان وهناك مقتدى الصدر والناشطون الليبراليون واليساريون الذين ما يزالون يتظاهرون ضد الفساد منذ عدة أشهر. وإذا غاص العراق أكثر فأكثر في هذه الفوضى السياسية العارمة السياسية فإن الجهاز الأمن يسيكون بلا حول ولا قوة أمام هجمات «داعش».
وفي سورية، ينهار وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه الولايات المتحدة وروسيا. وإذا تم التخلي عن وقف إطلاق النار الهشّ ـ والذي مكّن الحكومة و«الثوار» من التركيز على مقاتلة «داعش» بدلاً من مقاتلة بعضهما ـ بشكل نهائي، فسوف يتمكّن «داعش» من استعادة ما خسره. وفي الحقيقة، كانت هذه السلسلة من التطوّرات قد بدأت أصلاً في منطقة الحدود السورية ـ التركية. وذكر أن إدارة أوباما تتوافر على خطة دعم تتضمن تسليح الثوار السوريين بشكل كبير في حال انهار وقف إطلاق النار.
لكنه لم يتم خسران كل شيء. فإذا كان بالإمكان حل الأزمة السياسية في العراق واستمر وقف إطلاق النار في سورية، وقام التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضدّ «داعش» بالبناء على الزخم الحالي، فسيكون بإمكاننا رؤية نهاية لسيطرة المجموعة الإرهابية على مناطق شاسعة من العراق وسورية، بما فيها مدن الموصل والفلوجة والرقة، خلال سنة أو نحو ذلك.
ولكن، ماذا سيكون مصير فروع «داعش» في العالم؟ وبعد خسارة المدن الاستراتيجية في العراق وسورية، ماذا سيكون أثر ذلك على عمليات المجموعة في ليبيا وترسانة أسلحتها الكيماوية وخلاياها الإرهابية في أوروبا، وعلى أتباعها الملهمين في الولايات المتحدة وأوروبا؟ لطالما أظهر «داعش» أنه عندما يمنى بضربة في جبهات القتال التقليدية، فإنه يرسل مهاجمين انتحاريين في عموم الشرق الأوسط وأوروبا للتأكيد على وجوده المستمر وفتكه.
قد تتصاعد جهود «داعش» لإلهام المزيد من الأميركيين لارتكاب أعمال عدائية، مثل حادثة إطلاق النار في سان برناندينو. وفي حال ذهاب معقلي التنظيم المهمين في سورية والعراق، فإن عمله في ليبيا يمكن أن يصبح مركز خلافته. ومن الممكن أن تصبح الأسلحة الكيماوية أكثر تطوراً واستخداماً في الغالب. وربما يكون فصل آخر في قصة «داعش» قد بدأ للتو.
صحافي استقصائي عراقي يغطّي حرب العراق و«داعش» لصحف: «نيويورك تايمز» و«لوس آنجلوس تايمز» و«ماشابل». كما عمل منسّق اتصالات لوزارة العدل العراقية.