بين خرائط الأولويات السياسية والعسكرية… أين «النصرة»؟
فاديا مطر
مع مدّ الأيدي لرفع مهلة «وقف الأعمال القتالية» إلى صفّ التنفيذ تحت مظلة الأمم المتحدة في محاولة ترمي إلى إنقاذ ما انهار من هدنة بدأت في 27 شباط الفائت، بمبادرة روسية ـ أميركية، التي لم تشمل في خيطها الرفيع تنظيمي «داعش والنصرة»، ليبدأ الصراخ عن خرق الهدنة في 22 نيسان المنصرم من قبل المعارضة التي استمرت فصائل تابعة لها في خرق الهدنة وإمطار بعض أحياء حلب بقذائف الهاون، مستهدفةً أحياء وسكان مدنيين، في وقت دعت روسيا الولايات المتحدة إلى سحب «معتدليها» لضمان عزلة تنظيم «النصرة» الإرهابي، لكنّ الضجة المفتعلة عن خرق الهدنة إقليمياً ودولياً أخذت أصداؤها تتسلل إلى أوساط الأمم المتحدة التي بدأت ضمنياً تتحدث عن «حلب» خصوصاً، لكنّ الهدنة ليست شمالية فقط. وإذا كانت كذلك فأين جبهة «النصرة»؟
الكلام عن خرق الهدنة فندته وزارة الخارجية الروسية منذ 27 نيسان الفائت بعد محادثات هاتفية بين الوزير سيرغي لافروف ونظيره الأميركي جون كيري لدعم التأييد الكامل لمحادثات السلام السورية في جنيف. ولفت البيان الروسي إلى تركيز الوزير لافروف على ضرورة انسحاب ما يُسمى فصائل المعارضة «المعتدلة» من مناطق سورية تحت سيطرة تنظيمي «داعش» و«النصرة»، ومواصلة التعاون بين موسكو وواشنطن، في إطار المجموعة الدولية لدعم سورية، لتأتي قمة «هانوفر» الألمانية في 27 نيسان الماضي مستكملةً الصراخ «الأورو ـ أميركي» بشأن خطر سقوط الهدنة. فالكلام الذي طرحه «خالد خوجا» منذ 23 تشرين الثاني الماضي ودعوته «النصرة» إلى فكّ ارتباطها بتنظيم القاعدة هو أرضية تمهد لإدخالها في المسارات السياسية السورية عبر تجميلها وإعادة تدويرها سياسياً بلبوسها الإرهابي، وما كلام باقي قادة ما يسمى «المعارضة» والتركي والقطري والسعودي والفرنسي والأميركي عن أنّ «النصرة» قوة لا يمكن تجاهلها إلا إعادة لتدوير القوة الضاربة شمالاً. فهل البكاء على الهدنة هو لأجلها؟
إن كانت الأجوبة تأتي من الشمال السوري فهي تعني أنّ «النصرة» موجودة في أرياف حلب وهي غير مشمولة بالهدنة، وأنّ البكاء على الهدنة ليس لأنّ المدنيين يقعون تحت قصف الهاون «النصراوي»، بل لأنّ مضامينه تحمل حماية «النصرة» التي تقف على أبواب الحسم بيد الجيش السوري وحلفائه، فهي ذات العيون التي لم تذرف دمعاً على معارك دير الزور وتدمر والريف الرقاوي الذي كان ولا يزال تنظيم «داعش» أهم أهدافه.
الدموع إذاً، هي لضمّ «النصرة» إلى الهدنة لحمايتها وهي ما زالت تقاتل أحياء حلب المدنية المأهولة، وهي أحد منجزات العهر المضّمن، فالشمال السوري لم يستطع إخفاء انهيار المفاوضات في جنيف والدعم التركي ـ السعودي، ولايستطيع ضمّ «النصرة» الإرهابية إلى هدنة تمّ المجازفة فيها تركياً وسعودياً وأوروبياً وأميركياً لاستكمالها بدور «نصراوي» يُبقي الإرهاب سياسياً بيدين ملطختين بدماء سورية تحت ذريعة البحث عمّن أسقط الهدنة.
فإذا كان الكلام الأميركي عن أنّ النصرة «حلبية»، فلماذا الدموع على حلب؟ وأين خرائط الارتباط الجغرافي بين مناطق من يسمونهم «المعتدلين» ومن يسمونهم «الإرهابيين» التابعين للقاعدة؟
الأسئلة أكثر من أن نحصيها وأجوبتها تكمن في زوايا النفوس الإقليمية والدولية التي تذرف دموع التماسيح.