لماذا العبادي شريك جيد لأوباما؟
مصطفى حكمت العراقي
في وقت تمرّ فيه المنطقة بمنعطفات حادّة تمثل مرحلة انتقالية بين مسار الحرب وصناعة التسويات على أساس النتائج الحاصلة لكلّ طرف من الأطراف المتنازعة للوصول إلى نهاية العرض المسرحي التي صنعتها واشنطن وحلفاؤها الغربيون لجهة ركوب موجة غضب الشعوب العربية على بعض أنظمتها والربيع العربي المزيف والذي أوصل بلدان المنطقة إلى مرحلة دموية من الصراع وخلف إرهاباً خرج عن سيطرة صانعيه، كان العراق من أشدّ المتضرّرين من هذا الإرهاب حتى أوشك هذا البلد على السقوط والانهيار، لكنّ الحشد الشعبي غير المعادلة كلياً. هذا التشكيل المدعوم بشكل كبير من إيران والمقاومة في لبنان لأنّ التجربة العراقية فتية وتحتاج إلى الدعم وهذا ما أكده أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله في العديد من المناسبات، ما جعل واشنطن تضع خطّاً أحمر على هذه التشكيلات التي تعتبر واشنطن محتلاً للعراق ولا تقبل القتال تحت رايتها. فالحشد لم يشارك في أي معركة شارك فيها التحالف الأميركي من الجو حتى وصل الأمر إلى قصف بعض تشكيلات الحشد الشعبي أكثر من مرة، وكان تفسير واشنطن القصف الخاطىء، ما يدعو إلى السخرية، لجهة أنه عذر أقبح ذنب، وبالرغم من كلّ ذلك كانت الحكومة برئيسها حيدر العبادي تابعة لواشنطن في تنفيذ أوامر عزل الحشد وقياداته تدريجياً وتسلسل المعطيات والأحداث يؤكد كلّ ذلك فكانت البداية من رفض العبادي المطلق تولي الأمين العام لمنظمة بدر والقيادي البارز في الحشد الشعبي هادي العامري منصب وزارة الداخلية لأنه يمثل خطاً مقاوماً واضحاً منذ أن كان وزيراً للنقل في بداية الأزمة السورية حين اتُّهم بتمرير السلاح من إيران إلى سورية عبر الأجواء العراقية لدعم الدولة السورية، فولّد ذلك فيتو أميركياً على تولي العامري أي منصب حكومي في حكومة العبادي وهو ما أتبعه العبادي راغباً كان أم رافضاً، كما أنكر العبادي أي تعرض أميركي للحشد الشعبي عن طريق القصف الجوي، رغم كثرة الأدلة على ذلك، إضافة إلى منع الحشد من حسم معركة تحرير تكريت مركز محافظة صلاح الدين في العام الماضي وإيقاف سير العمليات لعشرة أيام تقريباً تحت الضغوط الأميركية، وقد قيل حينها إنّ واشنطن سمحت لبعض قادة الإرهاب الذين يشكلون أدوات مهمّة لهم بالهروب من تكريت والتوجه نحو الموصل وبعدها إلى الرقة في خطوة لدعم المعارك في سورية بعد خسارة الورقة العراقية في وقتها وصولاً إلى منع مشاركة الحشد الشعبي في معركة تحرير الرمادي تحت مطرقات واشنطن وحلفائها في الرياض وأنقرة، لجهة منع مشاركة قوات شيعية مدعومة من إيران في تحرير محافظة سنية، بحسب زعمهم، لكنّ الحقيقة هي لمنع تحرير المحافظة الرابطة بين بغداد ودمشق، ما يمثل قطعاً لمسار التواصل بين حلف بغداد وطهران ودمشق المتشكّل بحكم وحدة المعركة والمصير وليس لتحقيق أهداف سياسية رخيصة تسقط مع أول هزة سياسية تضرب أعضاء الحلف فمن يتوحّد في الحرب والمعركة لا بدّ أن يكون أشدّ توحداً وتنسيقاً وتحالفاً في وقت السلم والرخاء وتحقيق الانتصار وجني ثمار الصمود فكانت هذه النتائج سبباً أساسياً لتأخير تحرير الأنبار، خصوصاً من قبل الحشد الشعبي الذي بدونه لا يمكن تحقيق أي انتصار إلا بتحقيق الدمار الشامل للمنطقة المُراد تطهيرها كما هو الحال في الرمادي التي أصبحت خربة على أهلها في ظلّ قصف طيران واشنطن للمدينة كما حصل سابقاً مع كوباني السورية حتى استمرت تبعية العبادي لواشنطن بمختلف التفاصيل التي أوصلته إلى عزل أغلب قادة الحشد الشعبي لسبب أو لآخر وتحت مختلف الحجج والذرائع وحقيقة الأمر رغبة واشنطن بعزلهم كما شكلت سياسة العبادي التي وصفت بالانبطاحية لدول الخليج برغم عدائها المعلن للعراق، فاستجدى بذلك ودّ الرياض لمجرد فتح سفارة في بغداد كان سفيرها ضابط مخابرات ومسؤول عن حماية كبار القادة الأميركيين من رؤساء ووزراء، إضافة إلى مسؤوليته المباشرة عن ملف عبور المسلحين من عرسال إلى سورية لدعم جبهة «النصرة» وغيرها من مجاميع سفك الدم السوري حيث شكل هذا السفير صورة مُستنسخة من السفير السعودي في لبنان ودوره المشبوه في مجمل قضايا البلد كما توالت تنازلات العبادي وحكومته لواشنطن إلى حدّ قبوله عنوة بتواجد القوات التركية المحتلة لأراض عراقية في محافظة الموصل. فبعد أن تبجح العبادي كثيراً بالسعي إلى طردها بشتى الوسائل المُتاحة، نجده اليوم يتناسى وجودها ويتعامل معها بكلّ ودّ واحترام.
كلّ هذه التنازلات جعلت الرئيس الأميركي باراك أوباما يصل إلى نتيجة مفادها أنّ العبادي شريك جيد لواشنطن إذ وصف أوباما العبادي بـ»الشريك الجيد» لبلاده، مشيراً إلى أنّ الأزمة السياسية الحالية في العراق لا تعني بلاده كما دعا «المكون السني» إلى بناء ذاته، وذلك خلال القمة الخليجية الأميركية التي عقدت في الرياض.
كلام أوباما الأخير يؤكد حجم الدعم الأميركي اللامتناهي للعبادي، إضافة إلى زيارتي وزير الخارجية جون كيري ووزير الدفاع آشتون كارتر إلى بغداد ومدحهما المفرط للعبادي واختتام رسائل الدعم بكلام أوباما في عقر دار الخليج المُعادي للعراق. كلّ ذلك لا يأتي من فراغ ولا ينم عن حبّ شخصي للعبادي، فالأخير البريطاني الجنسية مثل حليفاً مهماً لواشنطن لا يمكنها التنازل عنه في هذه الحرب لأنه يؤمن لها كلّ ما تريد من تنازلات وتبعية، إضافة إلى توجّهه الشخصي نحو البقاء بدعم أميركي على التوجه نحو محور المقاومة والممانعة ورفضه التوجه بطلب المساعدة من موسكو في الحرب على الإرهاب لكي لا يستعدي واشنطن.
في المُجمل، أصبح العبادي مطلباً أميركياً تسعى واشنطن بشتى الوسائل إلى تقويته ومنع سقوطه المُحتمل في مقبل الأيام.