قانون الانتخاب… «بكير كتير»
هتاف دهام
تتقاذف الطبقة السياسية مسؤولية تعطيل الاستحقاق الرئاسي وإقرار قانون انتخابي. كلّ فريق يرمي الكرة في ملعب الآخر. لن يكون قانون الانتخاب إلا متلازماً مع الطرح الرئاسي بالتكافل والتضامن. لن يبصر هذا القانون النور قبل إنضاج التسوية السياسية الرئاسية، التي تنتظر مفاوضات جنيف والواقع الميداني السوري الذي سيرجّح كفة محور على آخر. ولذلك، لن يكون القانون الانتخابي في المرحلة المقبلة إلا نقلة نوعية في لحظة سياسية آتية على لبنان. ومهما تأخرت هذه اللحظة، يقول قطب سياسي، فإنها مقبلة، وسيحدث القانون الجديد خرقاً ولو بقدر معيّن في التركيبة السياسية الحالية، ويؤمّن مساحة تمثيل أوسع للشرائح اللبنانية.
من مصلحة القوى السياسية الداخلية أن تتفاهم على قانون تهيئة لحلول تلك اللحظة مهما تأخرت. وليس من باب الصدفة أن يفتح باب النقاش «المكرّر» حول ملف قانون الانتخاب، على مصراعيه. لقد اعتبر التيار الوطني الحر وحزب القوات أنّ تشريع الضرورة يرتبط بإعادة تكوين السلطة، خصوصاً من زاوية قانون الانتخاب وأعطى رئيس تيار المستقبل لنفسه التزاماً تجاه القوى المسيحية، لكن الأهمّ يكمن في إجراء الانتخابات البلدية الآن، ما سيجعل من الصعب جداً الالتفاف على استحقاق نهاية الولاية الممدّدة للمجلس الحالي بعد سنة. وبالتالي، فإنّ مأزق إعادة التمديد ستكون مبرّراته واهية. إنّ نجاح الحكومة في إجراء الانتخابات البلدية الحالية ومشهد الشيخ سعد متجوّلاً بين طرابلس، والطريق الجديدة، والبقاع، ورأس النبع، يُثبت أنّ شمّاعة الأمن تستخدم غبّ الطلب لأهداف تمرير المبرّرات السياسية.
يدخل قانون الانتخاب مناقشات الوقت الضائع، قبل عام من موعد الانتخابات النيابية في 2017. لن يسمح الطاقم السياسي الحاكم منذ اتفاق الطائف، بتكريس عدالة وصحة التمثيل، رغم أنّ وثيقة الوفاق الوطني أكدت اعتماد النسبية والمحافظات. دخلت مناقشة قانون انتخابي جديد، البازار السياسي في 11 تشرين الأول 2012 تاريخ تشكيل اللجنة النيابية لدراسة القانون المنتظر قبل التمديد الأول للمجلس النيابي في 2013. كلّ الاقتراحات والمشاريع التي طُرحت لناحية تقسيمات الدوائر حفظت نفوذ وحضور هذا الطرف أو ذاك على حساب الآخرين.
انتقلت حمّى المناقشات والخلافات حول القانون الانتخابي الذي سيحدّد هوية الطبقة السياسية المستقبلية ويُعيد تكوين الدولة على أسس صحيحة من اللجنة المصغّرة إلى اللجان المشتركة. تمحور النقاش خلال اجتماعها أمس، برئاسة نائب رئيس المجلس فريد مكاري حول المنهجية التي يجب أن تدار بها الجلسات، وخاصة على ضوء وجود 17 اقتراح ومشروع قانون ودخول نقاط عديدة على خط النقاش، بما فيها عديد النواب وتمثيل المغتربين والبنود الإصلاحية الأخرى. كانت المواقف متباعدة جداً في ظلّ تمسك قوى عديدة بحقها في عرض مشروعها على نحو تفصيلي عضو الكتلة القومية النائب د. مروان فارس ورئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل .
يسعى منسّق لجنة التواصل النائب جورج عدوان بالاتفاق مع رئيس مجلس النواب، كما أشارت مصادر نيابية لـ«البناء»، إلى أن تحكم آلية التصويت النقاش، بهدف أخذ النقاش إلى المختلط بهدف تركيز النقاش حوله بوصفه يشكل أوسع مساحة مشتركة بين الطروحات المختلفة وتحييد المشاريع الأخرى بالتصويت. ويعتقد عدوان بأنّ هناك إمكانية للدمج بين اقتراحَي المختلط والخروج بصيغة واحدة.
أثبت كلام نائب رئيس حزب القوات أن لا اتفاق قواتياً – عونياً على قانون الانتخاب، وأكد أنّ «الارثوذكسي» بات خارج حسابات معراب الانتخابية نهائياً. هذا الموقف «العدواني» دفع النائب ألان عون الى القول «إنه باستثناء الإجماع في اللجان المشتركة على قانون جديد، فإنّ أيّ شيء آخر يخرج من اللجان المشتركة بصيغة الانقسام يجب أن يخضع للتصويت مثله مثل قانون اللقاء الارثوذكسي في الهيئة العامة، بعدما أعاد والنائب ابراهيم كنعان في الاجتماع التذكير بأنّ اللجان المشتركة ناقشت الاقتراح الارثوذكسي وأقرّته وأحالته إلى الهيئة العامة مما يوجب التصويت عليه قبل غيره.
أما النائب عن كتلة الوفاء للمقاومة علي فياض، فطرح تحييد البنود الإصلاحية وإحالتها إلى اللجنة الفرعية المنبثقة عن الإدارة والعدل، ودعا إلى حصر النقاش في اللجان المشتركة فقط في المادتين الأولى والثانية من القانون الانتخابي واللتين تتصلان بآلية الانتخاب والدوائر. وأشار إلى أنه استناداً إلى ما ورد في تقرير اللجنة النيابية الخاصة فقد جرت الإشارة إلى خمسة مشاريع أساسية، وهي: اقتراح المختلط المقدّم من الرئيس بري، اقتراح المختلط المقدّم من الثلاثي القوات المستقبل – الاشتراكي ، النسبية الكاملة مع لبنان دائرة واحدة التي طرحها حزب الله، اقتراح الدائرة الفردية الذي يطالب به حزب الكتائب، والـ 15 دائرة على أساس النسبية التي طرحها التيار الوطني الحر، واذا أضفنا إليها مشروع الحكومة نكون أمام ستة مشاريع واقتراحات كبرى. وطرح فياض مبادرة للتسوية تقوم على اعتماد النسبية الكاملة مع إبداء المرونة في نقاش حجم الدائرة الانتخابية التي تأخذ بعين الاعتبار الهواجس والمطالب الحيوية للقوى المختلفة وعلى رأسها القوى المسيحية، معتبراً أنّ حجم الدائرة هو أرضية للتسوية. لم تلقَ مبادرة فياض استحساناً عند عضو كتلة المستقبل أحمد فتفت الذي أبدى انزعاجاً من الطرح، معتبراً أنّ النسبية الكاملة مرفوضة عند التيار الأزرق، ولن يقبل بها طالما أنّ حزب الله يملك السلاح.
بعد نقاش مستفيض، استقرّ الأمر على أربعة مشاريع كبرى، هي: المشروع المقدّم من حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، النسبية مع الدائرة الواحدة، اقتراح المختلط بالصيغة المقدّمة من الرئيس بري، وبالصيغة المقدّمة من القوات المستقبل الاشتراكي، ومشروع الكتائب، أما النقاط الإصلاحية الأخرى مثل تصويت المغتربين وزيادة العدد، فتحوّل الى اللجنة الفرعية المنبثقة عن الإدارة والعدل والتي من المفترض أن تعود إلى اجتماعاتها قريباً.
يبقى السؤال ماذا لو جرى حصر النقاش بالمختلط؟ كيف سيتمّ التوفيق بين الصيغتين المطروحتين؟ وهذا ما عجزت عنه اللجنة الفرعية. كيف سيتعاطى التيار الوطني الحر مع حصر البحث في المختلط في ظلّ تحالفه مع حزب القوات اللبنانية؟ كيف سيتعاطى حزب الله مع هذا الموضوع؟ علماً أنّ النائب فياض لاقى مناقشة النظام المختلط بإيجابية من دون أن تصل الإيجابية إلى حدّ التبنّي. بالاضافة إلى كلّ ذلك، هل يمكن حسم القانون الانتخابي بالتصويت من غير توفير التوافق الشامل حوله؟ وما هي المقاربة الميثاقية في هذا الأمر؟
في المحصلة، يبدو الموضوع معقداً جداً وشائكاً ويعتريه الكثير من الألغام. ما زال المشهد الانتخابي ملبّداً. تعتبر قوى السلطة أنّ إجراء الانتخابات وفق الستين نكسة كبيرة، لن تقبل بها وتؤكد في منابرها الإعلامية وخطاباتها المرتجلة وغير المرتجلة أهمية إقرار قانون انتخابي يراعي صحة التمثيل السياسي وفاعلية ذلك التمثيل، لكن ذلك ليس إلا حبراً على ورق وكلاماً في الهواء، فقانون الانتخاب «بكير عليه كتير»، و«الستين» لا يزال على قيد الحياة.