ما بعد العدوان على غزة: الغرب والمقاربة الجمعية للتفاوض
عامر نعيم الياس
انتهى العدوان الصهيوني على غزة، انسحبت القوات المحتلة من قطاع غزة فور إعلان الهدنة لمدة 72 ساعة، الأمر الذي منح جميع المراقبين انطباعاً بنهاية العدوان عسكرياً والانتقال إلى مرحلة التفاوض من دون ضغط السلاح، وعلى رغم أن الصهاينة ما زالوا يحتفظون بـ80 ألف عسكري احتياط بسبب العدوان، إلا أن احتمال العودة إلى محرقة غزة غير وارد البتة.
بدأت المفاوضات حول الهدنة في القاهرة وأعلنت من القاهرة، مثّل الفلسطينيين وفد موحد ضم الأطراف الفاعلة سياسياً وميدانياً وتاريخياً على الساحة الفلسطينية الداخلية، من دون مشاركة شخصية من أي فرد داخل قطاع غزة، هنا وإضافةً إلى عامل الخلاف ذي الطابع الثأري بين حركة حماس الإخوانية والدولة المصرية بقيادة الجنرال السيسي، نرى أن مبرر التفاوض وقاعدته الأساس التي سمحت لكل الأطراف بتجاوز معضلة اللقاء والتواصل كانت تجاوز الفردية الشخصية والفصائلية إلى البعد الجامع الموحد ضمن إطار الوفد الواحد، وهو أمر يوظف حالياً في الأوساط الإعلامية الغربية والنخب السياسية لتبرير أي نزوع غربي باتجاه الاعتراف بحركة حماس في غزة والتفاوض معها باعتبارها «حركة شرعية» هذا ما دعا إليه الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر في مقالة له في مجلة «فورين بوليسي» «فحماس قبلت بحكومة تكنوقراط لا يمثل أي فصيل بها، وهذه الحكومة تلتزم الشروط الرباعية الدولية ومن بينها التزام عملية السلام والاعتراف بـ»إسرائيل»»، في موازاة ذلك نقلت صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية عن جان بيير فيلو مؤلف كتاب «تاريخ غزة» الصادر عام 2012، والمتخصص بشؤون الشرق الأوسط قوله «بعد سيطرة حماس على غزة عام 2006 فقد الغرب دوره التقليدي في الصراع الفلسطيني ـ «الإسرائيل»ي، هذا يكشف عن غياب الرؤية المستقبلية للدبلوماسية الغربية. إن الدبلوماسية لا تخاطب أشخاصاً مستقلين، لكنها تتوجه إلى أطراف الصراع كافة».
إن الانكفاء الغربي الواضح خلال العدوان «الإسرائيلي» الأخير وتسليم الراية لقطر ومصر وترك الصراع بينهما يأخذ مداه، في لعبة كسر العصا على رأس حركة حماس، التي يعمل الجميع على إبرازها بصفتها اللاعب الوحيد في قطاع غزة، أدى بشكل مباشر إلى نزع الإحراج عن أطراف الصراع خصوصاً تلك الإسلامية التي تحاول قدر الإمكان الابتعاد من أي دور غربي عموماً وأميركي خصوصاً، وتفضل التفاوض بالواسطة، وهذا ما يجعل الدور المصري ممثلاً بالمبادرة وإدارة العملية التفاوضية دوراً ضرورياً لا غنى عنه، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى سمح تشكيل الوفد الفلسطيني وتجاوز عقبة الخلاف المصري الحمساوي بالدفع قدماً بمعادلة التفاوض الجمعي تحت مسميات مختلفة يمكن أن تمتد حتى إلى حكومة التوافق الفلسطينية برئاسة رامي الحمدالله التي ساهمت هي الأخرى في نزع الحرج عن الأطراف كافة في الصراع وفك العزلة عنها، وهو ما يبرر نزوع الولايات المتحدة الأميركية رسمياً إلى الترحيب بحكومة الوفاق الفلسطيني كونها تسهّل عملية التفاوض ومحاولة اجتذاب حركة حماس.
هو التفاوض إذاً ومحاولة انتزاع مكاسب سياسية لم يستطع الميدان وآلة الحرب الدفع باتجاهها، مكاسب يبدو أن الجميع على استعداد للأخذ والرد بشأنها حتى الغرب الذي يدرك جيداً أن الخطوة الأهم كانت خروج حركة حماس من سورية بما ساهم حتى اللحظة في احتواء حماس ضمن محوري اعتدال، لا محور مقاومة، وبالتالي لا يهم من يضغط على حماس لتليين مواقفها فإما الدوحة أو القاهرة وهنا ترتاح واشنطن وتعود لمعالجة ملفات أهم سواء على صعيد الداخل الأميركي أو على الصعيد الدولي.
كاتب سوري