تكنو… قراطية للعراقيين!؟

نظام مارديني

يقف العراق اليوم أمام مشهد سياسي يمكن وصفه بـ «برميل بارود» قد يكون بحاجة فقط إلى صاعق أو عود ثقاب لإشعاله ليأتي الحريق على ما بقي منه. وما يزيد من الاقتراب من هذا الصاعق الرعاية السياسية الأميركية الكاملة والمشبوهة لرئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، وتلك العسكرية للبرزاني، من خلال اللعب على التناقضات الداخلية التي أوجدها الأميركيون منذ لحظة احتلالهم العراق في نيسان 2003، ما يشير إلى أنّ البلد يعيش زمن العجائب والمفارقات التي دوّخت الشعب العراقي وجعلته حائراً في الطرقات.

لا شك في أنّ العملية السياسية المُتعثرة في العراق جاءت لأنّ القوى السياسية الصانعة للقرار أو المتنفذة تتحكم فيها مصالحها الطائفية والعرقية، ولا تريد أن تتنازل، ولو عن جزء بسيط من مغانمها لصالح المصلحة الوطنية العليا، رغم أنها تذرف دموع التماسيح على الشراكة الوطنية وحقوق «المكوّنات»!

يكاد العراق، وسط هذه المعمعة، أن يكون البلد الوحيد الذي يضمّ برلمانين: الأول للنواب المعتصمين برئاسة عدنان الجنابي، والثاني للنواب المنتفعين برئاسة سليم الجبوري! وبين هذا وذاك تحدث «دربكات» كثيرة لا نرى منها سوى رقصة أفريقية يُراد لها أن تدور على جثث المواطنين.

صحيح أنّ العراق بحاجة إلى الإصلاح، لكنّ الإصلاح الذي يطالب به لا يأتي من فراغ وهو ليس «لعبة دعبل» الدعبل كرات زجاجية ملونة جميلة المنظر متدعبلة الشكل تشبه إلى حدّ ما شكل البيض الصغير، يلهو ويلعب بها الأولاد لقضاء أوقاتهم ، وليس نتاج أحلام أو أمنيات بل هو محصلة ونتاج لإرادات ومبادئ وتضحيات. ولكي يتحقق الإصلاح لا بدّ أن تتوفر هذه الاشتراطات، وأولها وضع مبادئ تساعد العراقيين على الخروج من مأزق ما يعيشونه منذ سنوات، وهذه المبادئ التي تأخذ العراقيين نحو المواطنة لا بدّ أن تتلخص بفصل الدين عن الدولة، ومنع رجال الدين من التدخل في الشؤون القومية، وإلغاء الحواجز بين المذاهب والطوائف.

فمن يُوقف الصراع السلطوي بين ساسة ينظرون إلى العمل السياسي على أنه شكل من أشكال المقاولات والسمسرة؟ أما المصلحة الوطنية عندهم فلا تعني سوى مفردات مختزلة جداً: كم نربح من الدولارات وكم نحصل من «القومسيونات» وكم نبني من العقارات وكم هي الأرصدة المودعة في بنوك خارج أسوار البلاد؟

بل ولماذا صارت المناصب تُباع وتشترى في «بازارات» تقام في نوادي القمار ووفق مُحاصصات مذهبية وعرقية مقيتة لم يكسب منها العراق سوى الأزمات والخيبات؟

إنّ كلّ شيء في العراق من دون ملامح واضحة… فطرق الهلاك متعدّدة المواهب والمسالك، وكأنه يطبّق ما قاله المتنبي يوماً: «وَأنّى شِئْتِ يا طُرُقي فَكُوني أذَاةً أوْ نَجَاةً أوْ هَلاكَا».

ولأنّ قمة العقل أن يهلوس لتُعاد برمجته، وفق ضوابط مقرونة بمن يريد لعقله أن يستمر على قيد الحياة، جاءت وصفة حكومة الـ «تكنوقراط»! وهذه الوصفة تشبهُ قمر الشاعر الإسباني لوركا، هذا الشاعر العظيم الذي أعدمهُ فرانكو، انشغل وهم يُهيّئون لإعدامهِ، بالسؤالِ عن قمره… ليس ذلك القمر الموجود في لوحة السماء، ولكن ربّما كان يبحثُ عن بعض الضياء في روحهِ، كي لا ينتصر الأوغادُ أبداً.

العراق لا يحتاج حكومة تكنوقراط. العراق يحتاج إلى سياسيين وطنيين يؤمنون بشعبهم ووطنهم… والخوف أن تكون وصفة التكنوقراط، «تكنو.. قراطية» للعراقيين جميعاً!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى