ستنتصر حلب… وإنّ غداً لناظره قريبُ!
نصار إبراهيم
الحرب كما السياسة لها معادلاتها وأبعادها… فلا تخاض بردود فعل ارتجالية.
حلب الآن هي التكثيف الشامل لكلّ الحرب الكونية المستعرة ضدّ الشعب السوري والدولة الوطنية السورية والجيش العربي السوري منذ خمس سنوات. لقد لفتت نظري كثافة ردود الفعل على ما تعيشه وتواجهه حلب الشهباء، وأغلبه يعكس قلقاً وألماً… لكنه في أكثره يعبّر عن ردود فعل عاطفية نبيلة… لا أكثر، بينما المطلوب رؤيته في سياقات الحرب الكبرى وخفاياها وأهدافها.
بمعنى رؤية ما يجري في حلب في إطار حركة المحاور المتصارعة… والمحركات السياسية والأهداف الاستراتيجية لكلّ فاعل في هذه الحرب. وأيضاً رؤية الحرب على حلب في سياق حالة الاشتباك الشامل التي تجري في الإقليم: العراق، اليمن، مصر، ليبيا، تونس، لبنان… وقبل كلّ ذلك وبعده في فلسطين حيث يتموضع رأس المشروع الاستعماري في المنطقة… ضمن صيرورات الحرب على سورية، وما ترتب عليها من إزاحات في موازين القوى وسقوط خيارات أو تراجعها… ورغم الهزائم التي مُني بها رعاة هذه الحرب من واشنطن مروراً بملوك الرمال في الخليج… وايضاً الحاقد أردوغان… ومحدودية القدرة «الإسرائيلية»… ورغم الصمود والتضحيات الكبرى التي قدّمها الشعب السوري، وتماسك محور المجابهة النقيض لحلف واشنطن، أيّ سورية وإيران وحزب الله وروسيا والصين… وانتقالهم من حالة الدفاع الاستراتيجي إلى حالة الهجوم… إلا أنّ الحرب لم تحسم بعد. لقد فشل محور واشنطن حتى اللحظة في ترجمة مشروعه التدميري الطائفي والتقسيمي… مقابل تحقيق انتصارات متراكمة لصالح الدولة الوطنية السورية وحلفائها… ولكن بالنقاط على حدّ تعبير الصحافي محمد صادق الحسيني. لهذا وبعد اتفاق الهدنة… حاول كلّ طرف استثمارها ليعيد خلط الأوراق… وتحقيق انتصارات ميدانية تشكل رصيداً يصرف على طاولات التفاوض السياسي… من هنا جاءت معركة تحرير مدينة تدمر والقريتين من داعش… وقبلها كان تنظيف أرياف اللاذقية وجنوب حلب لتضع واشنطن وحلفاءها أمام معادلات صعبة… لهذا تحرّكت السعودية وأردوغان وبضوء أخضر من واشنطن لاستثمار أدواتهم من المجموعات الإرهابية في الداخل السوري… في محاولة لإعادة ضبط الصراع وفق الأهداف الموضوعة… إلا أنّ ذلك غير ممكن بدون تحقيق انتصار عسكري يوازي معركة تحرير تدمر… وأيّ هدف أعظم من حلب… لهذا جرى حشد المجموعات المسنودة من آل سعود وتركيا وتسليحها بأسلحة نوعية… كما جرت عملية تعويم جبهة النصرة الأشدّ قوة وبأساً من أجل تحقيق اختراق حاسم على جبهة حلب… هذه باختصار وكثافة بعض معادلات الحرب الدائرة على حلب الآن… في المقابل يدرك حلف الدولة الوطنية السورية هذه المعادلات والأهداف، ولهذا فهو يتحرك ضمن استراتيجية متعددة المستويات سياسية… وميدانية ودولية… هدفها كسر هذه الرهانات… وأعتقد… أنّ معركة حلب ستكون هي المعركة الحاسمة التي ستنتهي بنصر واضح وهزيمة واضحة بما يفتح جدياً الأفق لإنهاء الحرب على سورية بعد أن استنزف كلّ طرف كلّ ما لديه من أوراق قوة ورصيد سياسياً وعسكرياً وإعلامياً واستخبارياً ونفسياً. معركة حلب آتية… وقريباً جداً ستقول حلب كلمتها الفاصلة… لقد صمدت حلب الشهباء خمس سنوات… وكان المراهنون يراهنون على أن يكون سقوطها هو المدخل لإنهاء سورية كدولة وموقف وفكرة… أيّ تقسيمها بين الطوائف وأمراء الجهل والتخلف… تضحيات حلب غالية… ودماء أبنائها عزيزة… لكنها الحرب التي لا ترحم… فإما الصمود والمواجهة وإما اندثار سورية ليبقى ملوك الرمال… والسلاجقة… ومن فوقهم السيد الكبير واشنطن و»إسرائيل»… الثقة بسورية وبالشعب السوري وبالجيش الوطني العربي السوري وبقوى المقاومة وبحلفاء سورية كبيرة… ولن تبقى حلب تنزف هكذا… إنها حسابات الميدان والسياسة… لكن الساعة آتية لا ريب فيها… فمن صمد على مدار خمس سنوات وبقي رابط الجأش وحطم مشاريع «إسرائيل» في منطقة آمنة… ونظف القلمون وحمص وسحق فلول القتلة في درعا… ومرّغ أنف اردوغان في أرياف اللاذقية… وأسقط حلمه بمنطقة آمنة، ومن دفن فكرة عزل الدروز في جبل العرب عن أمهم سورية… والجيش الذي قدّم عشرات الآلاف من الشهداء ليحمي قسمه وعهده بحماية وحدة سورية وأرضها وعزتها… يعرف جيداً أنّ كلّ ذلك لا يساوي شيئاً إذا سقطت حلب… فهي البداية والنهاية… إنها كدمشق تماماً.
إذن على أسوار قلعة حلب الشهباء… وعند أقدام سيف الدولة الحمداني… ستتحطم رؤوس حمقاء… وستنهار خيارات ورهانات سياسية بائسة… وستسقط أنظمة… وستندحر مشاريع التقسيم والهيمنة… وستنتصر حلب… وإنّ غداً لناظره قريب…