هل تنجح روسيا في تسويق معركة حلب ضدّ «النصرة» لدى المجتمع الدولي؟
هتاف دهام
تشكّل المعركة حول مدينة حلب أهمية استراتيجية بالنسبة إلى الأطراف المتنازعة، لأنها ستغيّر الوضع الجيوسياسي في المنطقة. لم تبدأ بعد ساعة الصفر للحسم. لا يزال الروسي يعوّل على العملية السياسية، ومنذ القرار الدولي 2254، انتقل من العمل العسكري المؤثر في الميدان الى العمل السياسي الذي يتكّئ على العمل العسكري المحدود. وترى موسكو أنّ مصلتحها تقوم على صيانة قنوات اتصال مع جميع الأطراف في المحاور كلّها، سواء محور المقاومة الذي تمثله سورية وإيران وحزب الله، وسواء محور المعارضة السورية والسعودية وقطر. ومَثّل تقليص قواتها، رسالة واضحة أنها تنتقل من «فريق» إلى «حكَم»، وها هي تسحب نحو 30 طائرة من سورية، بما في ذلك كلّ طائراتها الهجومية من طراز سوخوي 25.
اتفق الإيرانيون والروس في منتصف نيسان الماضي على اختزال كلّ العوامل التي تقف عائقاً أمام حسم معركة حلب بالتدرّج وصولاً إلى تحرير الأرياف الأربعة. وأكد الرئيس السوري بشار الأسد أمس في برقية تهنئة إلى نظيره الروسي فلاديمير بوتين، لمناسبة «عيد النصر على النازية» «أنّ حلب تُعانق ستالينغراد البطلة ولن تقبل بأقلّ من دحر العدوان والانتصار»، في رسالة إلى كلّ مَن يعنيه الأمر أنّ سورية ماضية قدماً في تحرير حلب، بغضّ النظر عن الظروف والأهداف. لكن ماذا عن الغطاء الجوي الروسي؟ تدرك روسيا القيصر جيداً أنّ هزيمة تركيا وإخراجها من المعادلة السورية لن يكون ناجزاً من دون حسم المعركة الحلبية، لكنها ترى أنّ تحرير حلب ودخول الجيش السوري الى الحدود مع تركيا في هذا التوقيت بالذات سيؤدّي الى وقف العملية السياسية واستحالة العودة الى مفاوضات جنيف. ولذلك لن تكون الأيام المقبلة سهلة بالنسبة للطرفين، لا سيما أنّ الطرف الروسي هو مَن يتولّى القيادة السياسية لمحور المقاومة ويُنتظر أن ينجح في تسويق ضرورة إجراء معركة حلب ضدّ «جبهة النصرة» لدى المجتمع الدولي ويؤمّن الظروف السياسية الدولية لها.
تتداخل عوامل إقليمية ودولية في معركة حرب، تبدأ بالدور الأميركي ولا تنتهي بالدورين السعودي والتركي، إضافة إلى وجود «داعش» في ريف حلب الشمالي، ووجود الأكراد و«جبهة النصرة» وجيش الفتح.
إنّ حسم معركة حلب هو قطع شوط كبير باتجاه حسم معركة سورية، علماً أنّ انتصار الدولة السورية هو تأكيد حاسم على إسقاط مشروع تقسيمها أو فدرلتها وتثبيت وحدة التراب السوري.
لا يقتصر الطموح التركي التاريخي العثماني النزعة على ضمّ الموصل في العراق وحلب في سورية، فملف الأكراد متداخل بقوة مع قضية حلب سواء أكان في أحياء داخل المدينة الشيخ مقصود، الشيخ سعيد، وأشرفية أو بالنسبة لما سُمّي جيب 96 كيلومتر بين جرابلس ومنبج الذي يمثل آخر عقدة باتجاه إقامة كانتون كردي على مساحة 600 كيلو متر من الحدود بين سورية وتركيا، إضافة إلى كون حلب العاصمة الاقتصادية للبلاد والتي كانت في الماضي القريب ليست مجرد عاصمة للاقتصاد السوري بل مركز إمداد لأسواق الدول المحيطة، وكانت تنافس المنتوجات التركية على مستويات كثيرة.
تشكل حلب بالنسبة لـ«جبهة النصرة» وزعيمها أبو محمد الجولاني معركة بقاء، لأنّ هزيمتها في تلك المدينة ستكون مقدّمة طبيعية لهزيمتها في إدلب وفي كامل الجغرافيا السورية، كما أنّ حلب عبر جرابلس هي بوابة «داعش» من تركيا باتجاه الرقة وبالعكس، وبوابة تهريب النفط وإدخال الإرهابيين الأجانب عبر تركيا، فالريف الشمالي الذي تسيطر «داعش» على جزء منه هو متنفّس «الدولة الإسلامية ــــ داعش» اقتصادياً وتسليحياً ولوجستياً.
تخوض السعودية معركة حياة أو موت ضدّ الرئيس الأسد وتعلم جيداً أنّ بوابتها التركية على سورية تمرّ حتماً بحلب، خاصة أنّ «جيش الفتح» هو مشروع تركي سعودي تشكل حلب أهمّ ساحاته.
لذلك فإنّ معركة حلب سيكون لها الكلمة الفصل في تحديد موازين القوى الميدانية ومصير الصراع في المنطقة.