قالت له
قالت له: أحببتك حتى صار غضبي من الابتعاد مصدر شقاء. وأحببت نفسي حتى صار البحث عنك سبب هلاك. فأنا ضعيفة مرّتين. مرّة في اللقاء ومرّة في الفراق. دلّني كيف أكون معك أكثر، بكبرياء أكثر، إن كان من دليل.
فقال لها: الطريق سهل، وهو أن تقيسي كبريائي وتُبقي لك فوقه درجة. لأن المهم أن يبقى كبرياؤك الأعلى. وهكذا أيضاً لسهولة البعد والاقتراب، فتتذكرين في البعد لحظات اللقاء، وفي اللقاء لحظات البعد. وسترين أنّ العيون تعمل عند القلب مساعداً على مدار الساعة عندما تحاكم الحاضر بالذكريات.
فقالت: أحسّ بصدق الوصف للحبيب بالفراشة التي تدور حول سراج الضوء، تخشى اقتراباً فتحترق، وبعداً فتبرد.
فقال لها: وقد يكون الحبيب كنحلة تخشى أن تمتصّ الرحيق ويضيع الطيب وفوح العطر. فيكفي الاقتراب الخاطف لعجزٍ عن مقاومة الجاذبية، وحرصاً على ضوع الطيب، ومنعاً لذبول النضارة. فليس كلّ الحبّ اشتعال، ولا كلّ الحبّ استنفاد. فذلك هو الحبّ الومضة. أما الحبّ الإنسان فهو الغد وما بعده، في كيف نحبّ أن تكون ابتسامة الأيام لمن نحبّ. فالحب والزمن خصمان كما الحبّ والمسافة.
فقالت له: أيعقل أن تخالف الناس كلّهم في دعوتهم لنغرف من بحر الحبّ ما استطعنا، لأن العمر غفلة؟
فقال لها: كلّ ما هو إعادة يفقد البريق. والحبّ هو ذكرياتنا الأجمل. ولن تدوّن على دفاتر أيامنا إلا بجديدها. فلِمَ لا ندعها ومضات متباعدة نستسلم فيها لضعفنا ونصحو منها لنبتعد، ولا نجادل كثيراً في ما نريد؟ لأن الحبّ عندما يقع هو التعبير عمّا نريد. فلنتحدث عمّا لا نريد، ويكتفي الحبّ بالضوء البعيد. والحبّ لا يحيا في النهار، ولا يحيا على الإبهار.
فقالت: حبك دائي ودوائي وحيرتي ورجائي.
فقال لها: تابعي الوصف.
فقالت: ونفسي تمنعني وكبريائي.
فقال لها: من هنا كان الحبّ شوقاً، وكان الحب انتظاراً، وكان الحبّ ضعفاً، وكان الحبّ بلا قرار.
فقالت: خيّرتك أم حيّرتك؟
فقال: أنت قدر لا خيار.
فقالت: أمّا وقد انتهى الحوار، عليك إبلاغي بالتفاصيل أين كنت ومع من تكلّمت إلى نشرة الأخبار.
فبدأ بالكلام يضرب كفّاً بكفّ واستدار.