بطرس: لا حلّ إلّا باتّباع نهجه والاهتداء بتجربته وفلسفته الشاملة

أقامت «جمعية الهلال الخصيب» في باريس ندوة ثقافية بعنوان «أنطون سعاده البعد الثالث» تحدّث فيها الكاتب والصحافي أنطوان بطرس وحضرها إلى جانب أعضاء الجمعية، جمع من القوميين وأبناء الجالية.

استهلت الندوة بكلمة عرّفت بالجمعية التي تأسّست عام 2008 في مدينة تولوز الجنوب الفرنسي من قبل مجموعة من المهتمّين والمؤمنين بوحدة المجتمع. وقد اتخذت الجمعية رهاناً يتمثل ببناء نموذج اجتماعي يشكل نموذجاً عن الأمة السورية، وذلك من خلال وجود سوريين من كلّ أنحاء الأمة، من لواء الإسكندرون إلى مدينة العريش، ومن البحر الكبير إلى البحر الصغير، في هذه الجمعية.

بعد ذلك تحدث بطرس فاعتبر أنّ فكر أنطون سعاده بعدٌ ثالث، أو حلّ ثالث على الصعيدين القومي والعالمي. وقال: «من حيث الشق القومي، أسّس أنطون سعاده الدولة القومية الاجتماعية لتحلّ مكان الانقسامات الطائفية والكيانية المفروضة منذ نهاية الحرب العالمية الأولى من جهة، والانفلاش العروبي من جهة أخرى، مستنداً إلى قواعد اجتماعية علمية».

وعلى الصعيد العالمي، ركّز المحاضر على نظرة سعاده إلى الحياة والكون، وطرح فلسفة شاملة هي الفلسفة المدرحية كبعد ثالث للبعدين الفلسفيّين القائلين بمبدأ أسبقية المادة على الروح، وبمبدأ أسبقية الروح على المادة. لكن فلسفة سعاده نظرة جديدة إلى الحياة تقول بأنّ كلا من الروح والمادة ضروريّ للحياة ولتفسيرها، وأنّ التاريخ العمراني والتطور البشري لا يُقرآن إلا بتفاعل هذين العنصرين.

ورأى بطرس أنّ العالم الحالي يعاني من مشاكل سبع تهدّد السلام العالمي هي:

1. عدم قبول الإنسان بأخيه الإنسان.

2. الضغط النفسي والجسدي الثقيل الذي يتعرّض له الإنسان من جرّاء القيم المادية الرأسمالية، التي تفوق بشاعتها في بعض وجوهها، بشاعة القيم المادية الشيوعية.

3. المفهوم المختلف لموقع الدين في الحياة والمجتمع والمنظومة السياسية بين العالمين المسيحي والمحمدي، الذي يؤدّي إلى ما يُسمّى خطأً بحرب الحضارات، وكأننا في حروب قبلية أو دينية من صنع الماضي.

4. اختلاف مفاهيم العلاقة بين الإنسان والمجتمع، فهذه العلاقة من أهمّ معضلات علمَيْ الفلسفة والاجتماع.

5. ارتفاع القيمة الاقتصادية للمعرفة، حيث أصبحنا في عصر تُبنى فيه مصادر الدخل القومي على رأسمال جديد يتمثل بالمعلومات.

6. مسألة الديمقراطية وحقوق الإنسان، لا سيما في العالم العربي، إذ تتفشى الأمية ويكثر انعدام الثقافة.

7. إشكالية الحداثة ومفهوم الثقافة التي تتفرّع عن النقطة السابقة.

بعد هذا العرض للمشاكل، أكد بطرس أنّ المذهب القومي الاجتماعي يملك الحلّ لها، من خلال ما طرحه سعاده في مجموعة من كتبه ومقالاته. وينطوي هذا الحلّ على عدة عناصر نظّر لها سعاده، وانشأ الحزب من أجل تطبيقها وتحقيقها وهي:

أ ـ «علمانية» القومية الاجتماعية: وهنا شدّد المحاضر أنّ سعاده لم يستخدم كلمة «علمانية» إلا مرات قليلة لا تتعدّى الخمس. وذلك لأنه أراد أن يسمو بالمذهب القومي الاجتماعي إلى مستوى رفيع بجوهره، فأغفل مصطلح «العلمانية». ورأى أنّ «ما من أحد يستطيع أن ينكر أنّ علمانية الحركة القومية الاجتماعية تسمو بعمقها على ما عداها من علمانيات أخرى».

ب ـ الوفاق الديني وقواعده: «لقد وضع سعاده كتاباً خاصاً يظهر فيه أنّ عناصر التوفيق بين الرسالتين المسيحية والمحمدية قائم. والهدف من هذا الكتاب ليس تفضيل دين على آخر، والمقارنة ليست بين المسيح والنبي، وإنما بين سورية والعربة، من حيث هما وضعهما الاجتماعي المتباين، الذي اقتضى لكلّ منهما منحىً خاصاً في الدين».

ج ـ القبول بالآخر: إنّ «سعاده في ما وضع من أسس للحركة القومية الاجتماعية كوحدة العناصر المجتمعية والحقوق القومية وحرية المعتقد والفكر، إضافة إلى حق تقرير المصير، لهو مفكر يخاطب العالم وليس سورية فحسب».

د ـ الإنسان والمجتمع والعلاقة بينهما: تميّز سعاده في مفهومه للإنسان والمجتمع عن غيره من المنظرين الاجتماعيين في هذا المجال.

وإذ أشار بطرس إلى أن سعاده قدوة في مجال الحداثة، فإنه تحدّث عن الحداثة الفردية والاجتماعية ومفهوم سعاده الجديد للديمقراطية.

ولفت بطرس إلى أنّ عدداً غير قليلاً لم يسيروا على نهج سعاده، لكن لا بدّ أن يكتشفوا يوماً ما أنّ سعاده مشى أمامهم وفتح لهم الطريق… فلا حلّ سوى بدراسة تجربة سعاده والاهتداء بها.

وفي نهاية الندوة دار نقاش معمّق حول فكر سعاده، كما أجاب بطرس على أسئلة الحضور. كما قام أعضاء جمعية الهلال الخصيب بترجمة نصّ المحاضرة إلى اللغة الفرنسية ليتمكّن المتحدّرون من أبناء الجالية الاستفادة من مضمونها.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى