من يحاسب من؟
ناصر قنديل
– قد يكون مستساغاً في مثل هذه اللحظة للكثيرين أن ننضمّ إلى جوقة التطبيل والتزمير وتحويل الهزائم إلى انتصارات، للقول إنّ لبنان الرسمي حقق نصراً مبيناً على الإرهاب ممثلاً بثنائي «داعش» و»النصرة»، والتباهي بانسحاب المسلحين الذين نفذوا غزوة عرسال باعتباره نصراً لبنانياً خالصاً، تحقق بفضل «التضامن الوطني» الذي أرعب الدواعش ومن وراء اللبنانيين دعم عربي ودولي لا قدرة لداعش على تحمّل ضغوطه.
– التدقيق في الانتصار الافتراضي يجعلنا نحزن، لأنّ العناصر المفترضة للنصر لا تزال أوهاماً، اكتشفها مخططو غزوة «داعش» واستثمروا عليها، الوحدة الوطنية التي بشر بها بيان مجلس الوزراء، وقول رئيسه في بيان مكتوب «إننا نختلف لكن لخلافاتنا يوم آخر» نسفه كلام الحريري من جدة الذي لم يبق مكاناً للسترة، ونكأ كلّ الجراحات، بل استغلّ منبر الحديث عن هبة سعودية للجيش من أجل التهجم على سورية وحزب الله، والموقف العربي والدولي التضامني الذي تشكل السعودية بيضة القبان فيه، ترجم بالمال وإدارته مشروع انتهاك للسيادة وإهانة للدولة ومؤسّساتها بتعيين الرئيسين السابقين ميشال سليمان وسعد الحريري قيّمين من خارج المؤسسات على إنفاق وتحديد وجوه إنفاق الهبات السعودية، بما يحمل ذلك من مخاطر العبث بمرجعية المؤسسات الأمنية والدخول إلى قلبها بعقلية الاستزلام والاستتباع، لكلّ من يرتضي الشروط غير المعلنة، والتي وحدها تبرّر عدم تقديم المال للدولة التي يجب أن يعود لها وحدها التصرّف بالمال المخصّص لدعمها في مكافحة الإرهاب، كما هي العادة والأصول في المعاملات بين الدول.
– تنبّه الدواعش لما يعرفونه من داخل الدولة عن الهريان الذي يتآكلها في السياسة والإدارة، وعرفوا كيف يخططون ويتقاسمون الأدوار، فنواب المستقبل موزّعون على أدوار تسمح بالتعاون من تحت الطاولة مع ثلاثي الشمال ومعهم مفتي البقاع لإدارة معركة سياسية وشعبية عنوانها عرسال جريحة، والمعتدي هو حزب الله وليس «داعش»، ومن جهة مقابلة أعطيت الإشارة للجناح السياسي لـ»داعش» المسمّى «هيئة العلماء المسلمين» لإطلاق نظرية التفاوض وإتباعها بجولة اتصالات للتهويل من خطر ضياع فرصة التوصل إلى حلّ سلمي، خصوصاً مع إغراء الإفراج عن المخطوفين بنتيجة التفاوض، فكانت الحصيلة هدنة تتمدّد حتى تمكن المسلحون من الخروج إلى جرود عرسال اللبنانية وهم يصطحبون معهم العسكريين المخطوفين ويتمركزون داخل الأراضي اللبنانية ضمن صفقة لا يعلم أحد لا ضماناتها ولا مبرّراتها ولا منطقها ولا نهاياتها.
– صار مسلحو «داعش» في جرود عرسال اللبنانية كما جنود الاحتلال الإسرائيلي في تلال كفرشوبا ومزارع شبعا، والسبب أنّ الحكومة فضّلت مفاوضة «داعش» على التنسيق مع الحكومة السورية لضبط مشترك للحدود لا يبقي للمسلحين ملاذاً آمناً.
– الجيش سيكون أمام خيارين، إما التسليم بالتسوية التي صاغها الجناح السياسي لـ»داعش»، والقبول ببقاء جرود عرسال اللبنانية تحت الاحتلال، والاستعداد للتعرّض كلّ فترة لتحرّشات واستفزازات، ريثما تنضج روزنامة «داعش» التي فاجأها التقدم العسكري للجيش السوري، فتلتقط أنفاسها مجدداً في الجرود اللبنانية الممتدّة لعشرات كيلومترات مربّعة، وتنظم صفوفها وتنقضّ بتوقيتها بهجوم جديد، يلاقيه الجناح السياسي هذه المرة بخطة مختلفة بعد نجاح مناورة قطع الطرق المدروسة أمنياً مع الرسائل المتفجرة في طرابلس، أو يرفض الجيش التسوية المفخخة ويواصل معركته بلا غطاء سياسي موحد وبضغط شحّ الإمكانات، وعسكريوه المخطوفون يعيدون تكرار سيناريو مخطوفي أعزاز.
– من سيحاسب من على كلفة الدم والسيادة والكرامة الوطنية؟