تركيا… غياب عن المباحثات حول سورية وحضور في الاتهامات
سعد الله الخليل
منذ تعليق الجولة الثالثة من مباحثات جنيف وبالرغم من زحمة اللقاءات السياسية المتعلقة بالشأن السوري، فقد غابت تركيا عن الحضور على مشهد المباحثات والمشاورات، سواء تلك التي انعقدت في جنيف مسرح عمليات المشهد السوري الأبرز أو في عواصم صنع القرار من موسكو إلى واشنطن، وبالرغم من المناورات التركية بالإعلان عن إمكانية التدخل البري في سورية الأخير في حلب فقد بقيت أو أبقت نفسها على هامش كلّ ما له علاقة بالشأن السوري، ومع الحرب التي تشنّ على حلب وما لأنقرة من يد طولى فيها، فإنّ الصمت التركي والغياب عن الساحة بعث برسائل عدّة أولها يوحي بأنّ التركي في أحسن أحواله في ما يتعلق بالمجريات الميدانية في سورية في هذه الأيام…!
فبعد قطع اليد التركية على جبهة ريف اللاذقية وقناعة أنقرة بأنّ إمكانية العودة إلى دور فاعل فيها، بات التركيز التركي منصباً على معركة حلب التي يعتبرها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أمّ المعارك على الأرض السورية، وما يجري في حلب من حملة قتل جماعي ومحاولة إبادة الحجر والبشر لا تحتمل التأويلات أو التفسيرات عن الدور التركي في الإشراف المباشر على تلك المعركة، حيث استغلت أنقرة فترة التهدئة التي رافقت الجولة الثالثة من مباحثات جنيف لتأمين المزيد من الدعم والتسليح لفصائلها المقاتلة في حلب وعلى رأسها تنظيم «جبهة النصرة»، وهو ما لم يغب عن العين الروسية التي وثقت أكثر من مرة قوافل الإمداد العسكري لتلك التنظيمات عبر البوابة التركية.
غابت تركيا في العلن عن المشهد السوري على أمل إلغاء شرط الحصول على تأشيرة لدخول المواطنين الأتراك إلى دول الاتحاد الأوروبي، في مسعى لتنفيذ شروط الاتحاد الأوروبي لاعتماد جوازات السفر البيومترية الحديثة، للبدء بإعفاء الأتراك من التأشيرة نهاية شهر حزيران المقبل، لضمان موافقة دول الاتحاد الأوروبي والبرلمان الأوروبي على الخطوة، وهو ما أجبر أردوغان ربما على الغياب القسري عن المشهد السوري تاركاً مهمة تعويم «جبهة النصرة» لسيده الأميركي، ولعلّ ما كشفه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عن محاولات أميركية لضمّ مواقع تحت سيطرة «جبهة النصرة» إلى مناطق نظام التهدئة في حلب خلال المباحثات الأميركية الروسية، وفي إصرار لافروف على توجيه الاتهام المباشر لأنقرة بالتواصل مع تنظيمي «جبهة النصرة» و«داعش» ما يؤكد صلابة الموقف الروسي بإبعادها عن أيّ دور سياسي والإصرار على مواجهتها، ووجوب إعلان الفصائل الراغبة بالدخول في الهدنة بالخروج من مناطق سيطرة «النصرة» والتعهّد بمحاربتها بالتزامن مع الحزم الروسي بإنهاء مناطق التواجد التركي على الأرض السورية بحماية «جبهة النصرة»، والذي تسعى واشنطن لفرضها كمقدّمة للقبول بالحلول التقسيمية وهو ما ترفضه موسكو ودمشق رفضاً قاطعاً.
حضرت تركيا في تصريحات المبعوث الدولي إلى سورية الذي توقع فرار 400 ألف سوري من حلب إلى تركيا ما لم يتمّ التوصل إلى هدنة في حلب قبل ساعات من إعلان التهدئة، في محاولة للإيحاء بدور فاعل في المشهد السوري والسعي لاقتناص نصر لم يحرزه، إلا أنّ الرياح الأميركية لم تكن بما تشتهي سفن دي ميستورا حين أعلنت بأنّ اتفاق التهدئة أنجز مساء الثلاثاء أيّ قبل ما يقارب 24 ساعة من تصريحات دي ميستورا، وهو ما وضع المبعوث الأممي أمام خيارين أحلاهما مرّ فإما أنه غائب عن الجهود الروسية الأميركية وهو ما يعني إقصائه عن الساحة، أو أنه يعلم بالتفاصيل فيكون التصريح بمثابة دعاية استهلاكية لأنقرة لا تليق بسمعة الأمم المتحدة خاصة وأنها تأتي بالتزامن مع اتهامات روسية لأنقرة بدور سلبي ومشبوه.
صمتت أنقرة ومعها بات على واشنطن التفكير وحسم خياراتها بين التخلي عن المشاريع التركية والسعودية في سورية والتي تصطدم بالجدار الروسي ،أو المضي في مسايرة حلفائها والتغطية على حروبهما العبثية التي باتت عاجزة عن كسر الدولة السورية، وإحداث اختراق ميداني يعدل الموازين التي باتت تميل لصالح الدولة وحلفائها وجلّ ما تستطيع فعله إزهاق المزيد من الدماء السورية، وبالتالي أمام واشنطن مهلة لحسم خياراتها بين لجم الحلفاء والقبول بالشراكة مع موسكو وفق مسارات التهدئة والعمل السياسي الجادّ، أو التصعيد الذي يقفل أبواب جنيف ويعيد العمل العسكري إلى الواجهة، وربما في ما تسرّب عن خلافات قطبي العدالة والتنمية الأبرز أردوغان ـ أوغلو، ما يوحي ببداية عهد تركي جديد بانتظار تفاصيله وإيضاح الدور الأميركي في العملية.
وبانتظار حسم الخيارات على السوريين انتظار أمر من اثنين إما مفاوضات جدية تفضي حلول سياسية لا اقصائية، أو المضيّ بالحلول العسكرية مع السير بمفهوم المصالحات المحلية، وهما خياران أفضل من الحالة الهلامية التي يعيشها المشهد السوري.