ظاهرة ترامب: نتاج النقمة الشعبية على المؤسسة الحاكمة

انحسر حجم إصدارات مراكز الفكر والأبحاث نظراً لانشغال الساحة الأميركية بجولة الانتخابات التمهيدية، من ناحية، وانتظار نتائج زيارة الرئيس أوباما لدول الخليج وأوروبا.

فوز المرشح دونالد ترامب بانتخابات ولاية انديانا أعاد خلط الأوراق داخل الحزب الجمهوري، رافقه انسحاب ما تبقى من منافسين له، تيد كروز وجون كيسك.

سيتناول قسم التحليل «ظاهرة صعود ترامب»، وتشبّثه بموقفه أمام معارضة بيّنة من قيادات الحزب الجمهوري، وما قد تنبئ به المرحلة المقبلة من تململ القاعدة الانتخابية وربما إحجام قطاعات عدة من الحزب الجمهوري عن المشاركة في الانتخابات الرئاسية العامة، كرسالة احتجاج ضدّ ترامب وما يمثله.

«حروب العرب»

أصدر معهد كارنيغي كتاباً يعالج فيه «الحروب العربية»، قافزاً فيه عن السردية التقليدية بما كان يسمّى «الربيع العربي». ينطلق المؤلف، مارك لينش، من فرضية انّ انهيار الدول الوطنية في «اليمن وليبيا… وتشظي سورية، والانقلاب العسكري في مصر» تشكل مؤشراً على فترة الاضطرابات المقبلة التي ما لبثت ان بدأت تداعياتها، مفنّداً ما يتردّد في الأوساط الغربية عن تعويلها على «تضافر النظم العربية والسياسات الغربية وعودة العلاقات الى سابق عهدها… والتي ستبوء بالفشل». ويعالج المؤلف بنوع من التفصيل «كلفة الخيارات السيئة التي أقدم عليها اللاعبون الاقليميون، ويندّد نظرياً بنزعة التدخل الدولية التي أجّجت موجات العنف».

مرشحو الرئاسة

استعرض معهد أبحاث السياسة الخارجية مواقف وتصريحات مرشحي الرئاسة الأميركية حيال السياسة الخارجية الأميركية ومسألة «دمقرطة الشرق الاوسط»، التي اختزلها الطامعون في المنصب الرئاسي بالعمل على «إلحاق الهزيمة بتنظيم داعش، التعامل مع مخلفات التدخل الغربي في ليبيا، والتنافس في ما بينهم حول ما الذي ينبغي فعله بنظام الرئيس الأسد في سورية». واوضح انّ كافة المرشحين، قبل جولة الانتخابات التمهيدية الأخيرة، طالبوا «بإنشاء مناطق آمنة وفرض حظر للطيران في سورية… باستثناء المرشح ساندرز». اما التدخل في ليبيا فقد أجمع المرشحون «باستثناء هيلاري كلينتون على أنها مثال على فشل السياسات الأميركية لنشر الديمقراطية، بيد انّ الجميع تحاشى الخوض في كيفية استثمار القوة الأميركية الناعمة كوسيلة لنشر الدمقرطة والدفاع عن حقوق الإنسان». وحث المرشحيْن الأوفر حظاً في الحزبين، ترامب وكلينتون، على «بلورة سياسة مقبلة اما تعزز او تقلع عن نشر الديمقراطية التي ارخت ظلالها على ارث الرئيسين جورج بوش الابن وباراك أوباما».

ترسيخ «داعش»

أثار تنامي «الدولة الاسلامية ـ داعش» في باكستان موجة قلق بين النخب السياسية والفكرية الأميركية، واشار معهد هدسون الى تلك الظاهرة بالاقرار انّ التنظيم يتمتع ببيئة داعمة له «باستطاعته استغلالها» في عموم باكستان «لا سيما في مناطق القبائل التي تشهد مسرح تمدّد للتنظيم». واضاف انّ المناطق المدينية ليست بمعزل عن تأثير التنظيم بل ربما «تشكل تهديداً حقيقياً لاستدراج عناصر جديدة لفكره، خاصة بين الشرائح المثقفة، ليس في المناطق المدينية فحسب، بل في عموم المعمورة». واوضح انّ عداء التنظيم للطائفة الشيعية، في باكستان «قد يشكل عامل إغراء قوي للجهادية في باكستان، وتمدّد التنظيم وخاصة في اقليم البنجاب». واستدرك بالقول انّ الصعوبات المرئية امام التنظيم لبسط نفوذه في المناطق المدينية «لن تعيقه عن حشد عدد مقبول من المنتسبين تمكنه من خلق اضطرابات في باكستان لسنوات عديدة في المستقبل».

حث معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى صناع القرار على إبقاء تصويب هدف «تدمير دولة وتنظيم داعش»، والإطاحة جانباً بالأسباب والمسبّبات التي ادّت لصعوده، مؤكداً انّ «هزيمته لا تتوقف على حلّ الأزمتين السورية والعراقية». وزعم المعهد انه «لو تحقق تدمير تنظيم داعش كدولة، سيستمرّ الغرب في مواجهة الحرب الأهلية السورية والشقاق العراقي». اما كلفة التدمير، وفق المعهد، فهي «عالية جداً، بيد انها لا ينبغي ان تكون عائقاً امام تحقيق الهدف المنشود، تستدعي «تبنّي قواعد اشتباك اكثر ليبرالية للغارات الجوية، وقبول مخاطر أعلى من الضحايا المدنيّين، ونشر قوات برية أميركية لواءين يضمّ كلّ منهما 5 آلاف جندي». وشدّد المعهد على انّ الفوضى الناجمة عن هزيمة «داعش هي أفضل من خيار الاحتواء». واضاف حاثاً على التدخل العسكري الأميركي انه «بعد فشل اوباما عام 2013 في فرض الخط الأحمر، تحتاج الولايات المتحدة الى إجراءات لبناء مصداقيتها والردّ على التهديدات باستخدام القوة لمواجهة دول مثل إيران وروسيا والصين وكوريا الشمالية».

لبنان والنزوح السوري

استعاد معهد كاتو الازمة السورية بالنظر الى «الأعباء الاقتصادية الناجمة عن نزوح اللاجئين السوريين الى لبنان والاردن وتركيا واوروبا»، مشيراً الى انّ الاقتصاد اللبناني شهد نمواً بنسبة 2.5 عام 2015 «وهي أعلى نسبة نمو شهدها منذ بداية العقد الحالي، وذلك على الرغم من الخسائر التي لحقت بقطاعي الاستثمار والسياحة نتيجة الحرب السورية». واضاف انّ بيانات البنك الدولي اشارت الى انّ «زيادة بنسبة 1 من تدفق اللاجئين السوريين يعادل ارتفاعاً في حجم الصادرات اللبنانية بنسبة 1.5 ، نظراً لهبوط معدل الأجور لوفرة اليد العاملة». واضاف انّ السلطات اللبنانية أقدمت على إغلاق «مصالح سورية تجارية في منطقة البقاع، بعد احتجاج أرباب العمل اللبنانيين على تدفق اللاجئين السوريين».

إيران

لفت مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الأنظار الى تبلور علاقات إيران بجوارها في منطقة اوروبا الآسيوية، لا سيما «في منطقة جنوبي القوقاز وآسيا الوسطى». واعرب عن اعتقاده بأنّ إيران «تنظر الى ثرواتها الطبيعية في مجالات الطاقة، النفط والغاز الطبيعي والمخزون الهائل، كعوامل اساسية لبسط هيمنتها على المنطقة».

استعرض معهد المشروع الأميركي نتائج جولة الانتخابات البرلمانية الثانية في إيران، 29 نيسان الماضي، معرباً عن اعتقاده بأنّ نتائجها «تدلّ على حصول مؤيدي الرئيس روحاني من المعتدلين والإصلاحيين النسبة الأعلى في تركيبة المجلس، على الرغم من عدم تمكنهم من تحقيق نسبة الأغلبية». واضاف انّ النتيجة «تعدّ نصراً للرئيس وحلفائه، كالرئيس الأسبق علي اكبر هاشمي رفسنجاني، خاصة في ظلّ العدد الضئيل من الإصلاحيين الذين انطبقت عليهم شروط التنافس». وخلص بالقول انّ الرئيس روحاني «ستبقى أيديه مكبّلة في سعيه لإعادة ترتيب الأوضاع المالية للجمهورية الاسلامية».

ترامب: فاشي عابر أم أصيل؟

ازدادت معدلات القلق المحلي والدولي من ثبات المرشح دونالد ترامب، وتصدّره المشهد الانتخابي في الحزب الجمهوري، وما رافقه من انسحاب ما تبقى من منافسيه. فوزه يعادل هزيمة مدوية للمؤسسة الحاكمة في الحزب الجمهوري، التي ما برحت تستحدث حلولاً قصيرة الأجل لإقصاء ترامب، او محاصرته، على أقلّ تعديل.

ترامب، في واقع الأمر، لا يشكل لغزاً عصياً على الفهم بصرف النظر عن الموقف من آرائه السياسية الارتجالية والمثيرة للجدل، وسرعة انسحابه أمام العواصف.

أثبت ترامب، بكلّ بساطة، انه أفلح في استثمار جملة تراكمات من الإحباط والنقمة الشعبية لدى قطاعات واسعة ضدّ أداء المؤسسة الحاكمة، لا سيما فشلها في إدارة الأزمات الاقتصادية المتعاقبة، وتلاشي امتيازات الطبقات الوسطى من المجتمع. علاوة على ذلك، النبض الشعبي العام لا يزال يعارض مسلسل الحروب والعدوان والتدخل الأميركي في شؤون الآخرين، بخلاف توجهات المؤسسة الحاكمة.

سياسات ترامب المعلنة، ويبدو انه لا يضمر غيرها، هي أصدق تعبير عن الذهنية السياسية في جنوبي الولايات المتحدة، المنطقة الأشدّ محافظة وعنصرية، التي تجاهر بعدائها للمهاجرين، من ايّ صنف أو لون، وتجد تجلياتها في أعماق الحزب الجمهوري ونزعة العداء للإسلام التي دأبت أوساط عديدة على استثمارها منذ عقد التسعينيات، على الأقل، ومقولة صراع الحضارات.

«كراهية» المؤسسة الحاكمة لترامب، يحيلها البعض الى قلق النخب المصرفية والمالية من مضيّه في تحقيق تعهداته الانتخابية التي تطيح بسياسات التوافق بين الحزبين على «عدم المساس بمصالح ومزايا شريحة 1 » من أشدّ أثرياء المجتمع الأميركي. فضلاً عن تشنّجات معسكر الحرب ضدّه لوعوده بتخفيض النفقات التسليحية الى النصف، وعدد آخر من قضايا «البقرة المقدسة» الحيوية للوبيات والشركات الضخمة. بيد انّ هذا السياق العاجل لا ينبغي ان يؤدّي لإعفاء ترامب من حاضره وماضيه كشخصية انتهازية كبرى تعتاش على عذابات القسم الأعظم من المجتمع.

علق أحد أهمّ مفكري التيار اليميني في الحزب الجمهوري، روبرت كيغان، على ظهور وصعود ترامب، في شهر شباط الماضي، قائلاً بمرارة «ترامب ليس ندبة حظ، ولم يختطف الحزب الجمهوري او تيار المحافظين، ان صحّت التسمية. بل هو صنيعة الحزب، ووحش فرانكشتاين، دبّت فيه الحياة عبر الحزب، وترعرع داخل الحزب والآن أضحى قوة معتبرة باستطاعته تدمير صانعيه».

جدير بالاشارة الى انّ سلم الأجور للعاملين في أميركا لم يطرأ عليه تغيير حقيقي منذ عام 1973، وفق دراسات الإخصائيين الاقتصاديين، مما أحال شرائح اجتماعية بأكملها خارج سياق «الحلم الأميركي» بالرفاهية. ولعلّ اتساع تلك المسافة في السلم الاجتماعي والفرص الاقتصادية هو أحد أهمّ العوامل التي ادّت لانسلاخ «سكان الريف من البيض» عن المؤسسة والتحوّل نحو ترامب مقابل توجه الشرائح المثقفة والمدينية لتأييد المرشح النقيض، بيرني ساندرز، عن الحزب الديمقراطي.

وامتداداً، لا تخشى المؤسسة الحاكمة، خاصة في الحزب الديمقراطي، من بروز ساندرز وتعمل باطمئنان انّ منافسته هيلاري كلينتون «ستحمي مصالح شريحة 1 »، الأمر الذي قد يشهد تحوّلاً في مناصري الحزب الجمهوري للاصطفاف خلف كلينتون لاحقاً كما يراهن ساسة الحزبين. بعضهم ذهب بعيداً في توصيفه للفارق بين ترامب وساندرز بالقول انه خيار بين «الفاشية والاشتراكية».

على الشاطئ المقابل من المحيط الأطلسي، تقدّم حزب الحرية اليميني في النمسا الى المرتبة الأولى في الانتخابات، وحصل مرشحه الرئاسي نوربرت هوفر على أعلى نسبة تأييد، 36.4 من جمهور الناخبين، بتبنّيه سياسة متشدّدة ضدّ موجات اللاجئين الى اوروبا، تقدر اعدادهم بنحو 100.000 لاجئ سياسي في النمسا وحدها. منصب الرئاسة النمساوي تناوب عليها الحزبين الرئيسيين، الحرية والخضر، منذ نحو 65 عاما.

حركة المعارضة للمؤسسات الحاكمة تمتدّ الى مناطق متعددة من دول الاتحاد الاوروبي، وغير محصورة في النمسا او اليونان فحسب، بل تشهد فرنسا والمانيا وهولندا وبلجيكا وسويسرا اضطرابات سياسية، كما بريطانيا ايضا.

سعى الرئيس أوباما في زيارته الاخيرة لبريطانيا، وخلافاً للأعراف الديبلوماسية المعتمدة، التدخل في قرار وتوجه أغلبية بسيطة من المجتمع البريطاني التي تعدّ للتصويت على الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، مما أثار موجة ردود فعل قاسية «لصلافة الاخ الاكبر». دول اخرى تترقب قرار بريطانيا لتتبّعها في الخروج من قفص الاتحاد، وعلى رأسها اليونان واسبانيا والبرتغال، وتمرّد مقاطعة كاتالونيا في اسبانيا التواقة للاستقلال عن مدريد.

صيف العام الحالي يعد بكونه موسم استياء وضجر من النخب السياسية في الولايات المتحدة واوروبا على السواء.

بروز ترامب

غنيّ عن القول انّ معظم وسائل الإعلام والنخب السياسية عاملت ترامب باستخفاف وازدراء كبيرين، منذ البداية، ليس أقلها لخبرته السطحية في الحياة السياسية والعمل مع القوى العالمية، وعدم تقيّده بالأصول والأحكام المطلوب اتباعها من قبل ايّ مرشح رئاسي، وعلى رأسها التزام الحكمة والكياسة الديبلوماسية.

وسرعان ما اخترق ترامب كافة التوقعات وبرز مرشحاً مميّزاً عن الحزب الجمهوري، يحظى بشعبية واسعة وبين قطاعات متعدّدة.

من اهمّ العوامل التي ادّت لبروز «ظاهرة ترامب» ثلاث محطات داخلية بحتة:

الاولى، تنامي معدلات عدم الثقة الشعبية من الهياكل والمؤسسات الحكومية بشكل عام، اذ اشارت استطلاعات الرأي مطلع العام الحالي ازدياد نسبة الناخبين الجمهوريين الساخطين على الحكومة بمعدل 3 أضعاف عن قاعدة الناخبين الديمقراطيين، 32 مقابل 12 . وتتسع الفجوة ضدّ المؤسسة بين اشدّ مناصري الحزبين، 42 من الجمهوريين مقابل 11 من الديمقراطيين. اما مقدار السخرية والازدراء للنخب السياسية فقد بلغت معدلات غير مسبوقة: 89 بين الجمهوريين، 72 بين الديمقراطيين.

وعليه، باستطاعتنا القول انّ مشاعر عدم الثقة تطال كلّ شيء له علاقة بالحكومة الأميركية، الرئيس أوباما ومنافسيه في الحزب الجمهوري على السواء، مقابل نسبة متدنية لا تتعدّى 19 لا تزال تعوّل على دور ومكانة الساسة والحكومة في المجتمع، وتمثل ادنى نسب على امتداد ستة عقود من الزمن وفق بيانات معهد بيو.

ترامب، كما اسلفنا، ولج باب الإحباط ودفعه على مصراعيه ليجد آذانا صاغية ونفوسا تواقة للنيل من سيطرة التيارات السياسية التقليدية، واستطاع الحفاظ على نسبة دعم بين الناخبين الجمهوريين لا تقلّ عن الثلث.

المحطة الثانية، ترامب كان معروفاً وليس طارئاً على المشهد السياسي الأميركي، وتميّز بعدم توجهه لجمع تبرّعات مالية لحملته، في البداية، معلناً انها بتمويل ذاتي، بخلاف أقرانه الآخرين من المرشحين والسياسيين. بل اخترق التغطية الإعلامية ببراعة والتي رافقته في كافة محطاته مجاناً وأضحى يملي عليها احياناً ما يعتقده قضايا هامة بالنسبة لحملته.

ارتكب ترامب عدداً من الهفوات والأخطاء السياسية، بيد انّ الوسائل الإعلامية حاذرت الدخول في مواجهة معه بخلاف الحملات السياسية الاخرى. تباهى ترامب بإنجازاته الاقتصادية كتذكرة أمان لدخول المشهد السياسي، مذكراً بكتابه الصادر عام 1987 بعنوان «فنّ الصفقة»، ابان عهد الرئيس الاسبق رونالد ريغان. واستغلّ ترامب تلك الخلفية المتواضعة، وحضوره على الشاشة التلفزيونية للترويج لمشروعه الاقتصادي، للنيل من منتقديه.

المحطة الثالثة، براعته في تقنين غضب القاعدة الشعبية للحزب الجمهوري ضدّ تكلّس المؤسسة الحزبية. بل انحاز بعض التيارات الحزبية لجانبه مبكراً مما وفر له حماية سياسية ضدّ قادة الحزب.

لا يجوز إغفال دور رموز المشهد الإعلامي للمحافظين في دعم ترامب، عن دراية او بخلافها، خاصة لعدائهم المتأصّل للمهاجرين والأقليات وما يسمّونه هجرة فرص العمل خارج البلاد سعياً وراء اليد العاملة الرخيصة. بل هم مصدر الانتقاد لقيادات الحزب الجمهوري لتقاعسهم عن مناهضة سياسات الرئيس أوباما.

أبرز تلك المنابر والشخصيات: المعلق على الراديو راش ليمباو المرشحة لنائب الرئيس السابقة سارة بيلين المعلق التلفزيوني شون هانيتي والشخصية دائمة الحضور لدى المحافظين آن كولتر. وبلغ الأمر بالأخيرة مبلغه احتفالاً بانسحاب المنافس تيد كروز وهو من أصول كوبية ، من السباق بعد خسارته ولاية انديانا قائلة «استطاع أميركي هزيمة مهاجر».

في سياق الإنفاق المالي، حافظ ترامب على شحّ إنفاقه بخلاف منافسيه وخصومه، مستنداً الى الدعم الإعلامي الهائل ومعظمه مجاناً، مكّنه من تفوّق مناوراته على حملات خصومة الانتخابية التقليدية، سالفة الذكر.

أيضا، استطاع التغلب على العقبات التي وضعتها قيادات الحزب الجمهوري في طريقه للترشيح في وقت مبكر. يشار الى انّ الحزب راهن بداية على المرشح جيب بوش، الذي اضطر للانسحاب المبكر من السباق بعد أداء باهت محرج ثم راهنت على السيناتور ماركو روبيو الذي لم يكن أفضل حالاً من سلفه وقدوته السياسية بوش. وأسقط بيد قيادة الحزب بعد نتائج ولاية انديانا، الأسبوع الماضي، وإقرارها على مضض بحتمية ترشيح دونالد ترامب.

تبارى عدد من قيادات الحزب السياسية والفكرية ورموز التمويل في إعلان عدم رضاهم عن ترامب ونيتهم عدم المشاركة في الانتخابات، على أقلّ تعديل، بل انّ بعضهم أشار بوضوح الى الإدلاء لصالح المرشحة هيلاري كلينتون نكاية بترامب. بيد انّ الولاء الحزبي «الأعمى» يجد صدارته بعد فترة قصيرة من تلاشي الغضب والإحباط، وسيدلي اولئك بأصواتهم الى جانب مرشحهم اللدود دونالد ترامب.

بيانات استطلاعات الرأي قد تسهم في حسم قرار بعض المتردّدين لصالح ترامب، لا سيما أنّ النتائج الأولية تشير الى إمكانية فوزه على منافسته كلينتون، بنسبة 2 ، كما أشار استطلاع راسموسين مطلع الأسبوع الحالي.

لماذا خسرت قيادة الحزب الجمهوري؟

استاذ السياسة الدولية في جامعة تافتس، دانيال دريزنر، أوجز المشهد السياسي ومراهنات قادة الحزب الجمهوري بالقول: «استند قادة الحزب الى فرضية الثقة الزائدة بالنفس ادّت بها للانتظار والمراهنة على تهور ترامب وتدمير حملته الانتخابية بنفسه، بيد انّ المرشح الملياردير حافظ على فوزه المتتالي نظراً لعدم توفر تحالف جدّي من الجمهوريين لكبح جماحه، حينما كانت هناك فرصة متاحة. وبالنتيجة، فقد هاجم المرشحون «المعتدلون» بعضهم بعضاً حتى تشاركوا بالسقوط نحو الهاوية، ولم يبق سوى تيد كروز و جون كاسيك في السباق واللذين فقدا كلّ حظوظهما للفوز بترشيح الحزب». وأضاف دريزنر انّ مراهنة قادة الحزب على نجاح مناورات سياسية داخل المؤتمر تؤدّي لإقصاء ترامب والدفع بمرشح بديل دفنتها رياح انتخابات انديانا.

مصير تيد كروز السياسي، بعد هزيمته وانسحابه، مبهم الى حدّ بعيد، لكنه لا يخفي نيته الوثوب الى المنصب الشاغر في المحكمة العليا خاصة انْ حالف الحظ دونالد ترامب بالمنصب الرئاسي ولديه صلاحية ترشيح من يراه مناسباً. لكروز سجل حافل بالعمل القضائي فقد شغل منصب مساعد لأحد قضاة المحكمة العليا سابقاً، ورافع أمامها، وهو المرشح الأمثل لأشدّ التيارات المحافظة في الحزب الجمهوري خلفاً للقاضي انتونين سكاليا.

المرشح لنائب الرئيس

قد يلجأ ترامب للبحث عن شخصية متمرسة سياسياً تعوّضه نقص خبرته في هذا المضمار.

من بين الشخصيات والكفاءات المحتملة: رئيس مجلس النواب الأسبق نيوت غينغريتش، ومنافسه السابق حاكم ولاية نيو جيرسي كريس كريستي، بيد انّ الأخير لا يحظى بدعم التيار المحافظ الأقوى داخل الحزب. اما غينغريتش فيشفع له سجله السابق ودهاؤه السياسي وشعبيته الطاغية في صفوف الحزب الجمهوري والذي وصفه ترامب بانه «سيعينه على إصدار تشريعات جديدة، ولديه الكفاءة لتبوؤ منصب الرئيس».

ايضاً، من بين المرشحين للمنصب حاكم ولاية فلوريدا ريك سكوت الذي كان من أوائل مؤيدي ترامب وساعده في الفوز بأصوات الولاية مطلع شهر آذار الماضي. سكوت يشاطر ترامب ثراءه وحظوظه العملية والذي تنطح لقيادة الحزب الجمهوري في الولاية وكسب منصب حاكمها بالرغم عنها فضلاً عن انّ ولاية فلوريدا هي إحدى الولايات المتأرجحة التي يعدّ الفوز فيها حيوياً لمنصب الرئيس.

بعض المراقبين ينظر بعين العطف الى منافس ترامب السابق ماركو روبيو، الذي انسحب من السباق مبكراً ولم يعد له حظوظ قوية في منصب الممثل عن ولاية فلوريدا. ونظراً لأصوله الكوبية فقد يؤدّي خدمة جليلة لترامب ليشكل جسراً لحشد الجالية الناطقة بالاسبانية والتي استعداها ترامب مبكراً.

وقد يلجأ ترامب الى القفز عن كلّ ذلك والتمسك برئيس حملته الانتخابية السيناتور السبعيني المتشدّد جيف سشينز، عن ولاية الاباما، لمنصب نائب الرئيس وفاء له.

بعض الإعلاميين المخضرمين عن الحزب الجمهوري، بيل او رايلي، ناشد ترامب اختيار حاكم ولاية نيو مكسيكو، السيدة سوزانا مارتينيز، لمنصب نائب الرئيس لضمان فوزه في الانتخابات العامة.

مارتينيز هي اول امرأة من أصول لاتينية تشغل منصب حاكم ولاية، وأيدت المرشح ماركو روبيو مبكراً، وانضمّت للجوقة المناهضة لترامب في تلك الآونة. بيد انّ الخيارات السياسية لا تعرف حدوداً مصطنعة.

من المرجح ألا يقدم ترامب على اختيار مرشحه لمنصب نائب الرئيس قبل انعقاد مؤتمر الحزب الجمهوري في شهر تموز/ يوليو المقبل، وسيستغلّ الفترة الزمنية لإيلاء الأمر دراسة معمّقة، كما يعتقد، ويميّز نفسه عن خيار جون ماكين المتسرّع في اختياره سارة بيلين عام 2008.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى