لبنان: سقوط الحريرية والناس خارج السياسة
ناصر قنديل
– تقول الانتخابات البلدية جملة من الحقائق التي يمكن للمعنيين من أصحاب قرار ومتابعين تجاهلها أو تقاذفها، لكن ذلك لن يلغي وجودها ولا أهميتها، فعدا عن فضيحة مدوية لأكذوبة العجز عن إجراء الانتخابات النيابية لاعتبارات تقنية أو أمنية لمرتين تباعاً منذ العام 2013، جاءت الانتخابات البلدية هذا العام الأشدّ توتراً من الأعوام التي سبقته، وفي الانتخابات البلدية والاختيارية الأشد تعقيداً تقنياً وأمنياً، لتقول إن الذريعة كانت كذبة كبيرة، وإن التمديد كان احتياطاً مبكراً استبق موعد الانتخابات الرئاسية بعام ليضمن انتخاب الرئيس الجديد أو التمديد للرئيس السابق من هذا المجلس منعاً للمفاجآت وخصوصاً تسهيلاً لخيار التمديد الرئاسي بقوة التمديد النيابي.
– تقول الانتخابات البلدية إن الرئيس سعد الحريري وتياره لا يستطيعان أن يحلما بتوافر شروط لحشد الناخبين أفضل مما توافر له، فمن جهة ليس هناك مجال للحديث عن استرخاء انتخابي لغياب المنافس بوجود تحدٍّ قال عنه الحريري لماكينته الانتخابية إنه الأكبر منذ أول انتخابات يواجهها تياره. ومن جهة مقابلة حشدت كل التحالفات وراء الحريري، واشتركت كل الأحزاب والطوائف، وحتى غياب حزب الله، هو أفضل ما كان يمكن أن يوفره الحزب من فرص النجاح للحريري، كي لا يقال إن مشاركة الحزب في ظل التعبئة المتمادية ضده رتبت ردود أفعال تفسر هذه المشاركة الهزيلة انتخابياً، وقبل مناقشة انتخابات خارج بيروت، ومناقشة انتخابات الغير في بيروت، يستطيع الرئيس الحريري أن يكتفي بهذه النتيجة ليسأل نفسه هل يمكن أن تتاح له ظروف أفضل ليحشد الناخبين، وهل من سبب يفسر هذا الحضور الضعيف للناس الذي يبقى أقل من نصف الذين شاركوا كنسبة مئوية في الانتخابات النيابية في العام 2000 والعام 2005؟
– تقول الانتخابات البلدية في بيروت، حيث يلتقي أطراف المجتمع السياسي اللبناني، إنه على المقلب الآخر، بعد تجربة حراك شعبي قيل عنه الكثير، ولدت مبادرتان لتقديم بدائل تغييرية هي أعلى سقف مما يمكن أن يُتاح تقديمه للذين يقولون بلغة الحراك، كلكن يعني كلكن، فقد تشكلت اللائحتان بدون أحزاب وطوائف وبلغة مدنية وتغييرية، وقالت للناخبين إن هناك فرصة لخيار سياسي جذري يمثله الوزير السابق شربل نحاس ورفاقه، وفرصة أخرى لخيار مدني تمثله لائحة بيروت مدينتي، لوجوه ناجحة اجتماعياً ومهنياً لنشطاء معروفين وذوي شهرة بنجاحاتهم المهنية، ولا يمكن التذرّع هنا بالسياسة لتفسير العجز عن تحشيد مشاركة الناخبين الذين لم يشاركوا، والذين يشكل استقطابهم مهمّة أقلّ صعوبة من نقل خيارات ناخبين من ضفة إلى ضفة، لأنّ اللائحتين بالأصل تشتغلان على ما تسمّيانه الأكثرية الصامتة، وما تعتبرانه جمهور التغيير الذي سئم الأحزاب والطبقة السياسية ويعتبرها سبباً لمآسيه ومعاناته بلا تمييز بين مكوّناتها، وبالتالي القول إنّ غياب الدعم السياسي يفسّر الضعف هو عكس وظيفة اللائحتين كامتداد للحراك الذي عصف بلبنان لشهور وكتب وقيل عنه وفيه الكثير، ومع نتيجة نسبة المشاركة يمكن الاستنتاج قبل صدور النتائج أن النسبة الأقل من الـ 20 للمشاركين في بيروت تعني أن نسبة ما ذهب للائحتين التغييريتين لا يتعدّى الـ 5 ، رغم توافر مواكبة إعلامية وازنة لحملة اللائحتين سواء على وسائل التواصل الاجتماعي أو على مستوى الصحافة والقنوات التلفزيونية.
– تقول الانتخابات البلدية في بيروت التي يفترض أنها تستقطب الناس لقضاياهم المباشرة، ويمكن خوضها بقدرات متواضعة لا تحتاج قدرات الانتخابات النيابية وحساباتها ذاتها، إن الشارع اللبناني يقول من عاصمته إن أكثر من ثلاثة ارباع الناس خارج الاهتمام بأن يكون لها دور في الشأن العام، قرفاً ويأساً ومللاً وضياعاً، وأن البحث في كيفية استعادة الناس إلى السياسة، بما يتخطى الولاءات الصغيرة أو الفئوية، وحتى الولاءات المبدئية، بمعنى السياسة الواسع كميدان للمشاركة في صياغة الشأن العام، بات معضلة وطنية يجب أن يهتم لمعالجتها المفكرون والسياسيون ودعاة التغيير، والتي لا يمكن النوم على حريرها لكونها تضمن بالنعاس الشعبي تكريس القيادات الراهنة، لأن العزوف وموات السياسة، قد يشكل البيئة المناسبة لنمو التطرف كما تقول التجارب، فالناس التي لا تذهب لخيارات التغيير قد يذهب مقابلها آخرون لخيارات التفجير، وصمام الأمان هو استعادة الناس للسياسة، وربما يكون ألفباء المطلوب هو قانون انتخابي للبلديات كما للمجلس النيابي يعتمد التمثيل النسبي، في محاولة لإقناع الناس أن لكل صوت أثراً في النتيجة الانتخابية، وهذه المعادلة لم تعد ترفاً تجميلياً للعمليات الانتخابية، ولا تطلعاً إصلاحياً، بل حاجة وطنية ملحّة لإنعاش السياسة التي تموت.
– خارج بيروت يمكن قول أشياء أخرى، وستكون مناسبة قولها لاحقاً، لكنها لا تغيّر في حقيقة ما قالته تجربة الانتخابات الأهم في العاصمة.