«انتفاضة العشائر» في سورية تحت المجهر الغربي
عامر نعيم الياس
لم تمر الصحافتان الأميركية والبريطانية مرور الكرام على المواجهات الدائرة بين بعض العشائر في شرق سورية وتنظيم الدولة الإسلامية، صحيفة «وول ستريت جورنال» عنونت أحد تقاريرها «رجال القبائل في شرق سورية ينتفضون ضد متطرفي الدولة الإسلامية»، أما «تايمز» فقد كانت أكثر واقعية في توصيف ما يجري معنونةً «القبائل تقاتل من أجل إخراج داعش من شرق سورية»، فما الهدف من وراء إبراز ما يجري في شرق سورية وتوصيفه أميركياً «بالانتفاضة»، في وقت تكشف وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون في مذكراتها أن داعش ليس سوى صنيعة للإدارة الأميركية؟
قبل الدخول في تحليل الهدف الكامن وراء تركيز الإعلام الغربي على هذا الأمر، تجدر الإشارة إلى أن التمرد ضد داعش في سورية بدأ يأخذ زخماً أقوى مع التقارير الإعلامية التي تحدثت عن المواجهات بين عشائر الشعيطات في ريف دير الزور الشرقي بعدما حاول التنظيم إجبار أهالي القرى التابعة للعشيرة على مبايعة أبي بكر البغدادي خليفة المسلمين، إذ أسفرت المواجهات عن تراجع داعش من ريف دير الزور الشرقي ومن قرى عدة تتبع العشيرة، كما دمرت مقار «الخلافة» في هذه القرى وهو أمر، بحسب المراقبين، لم تقم به أي عشيرة أخرى، وهو يصب بالتأكيد في خانة زيادة الاهتمام الغربي بهذه الظاهرة الناشئة شرق البلاد.
وكما هو العالم أجمع، انقسمت العشائر السورية بين مؤيد ومعارض لما يجري في البلاد منذ أربعين شهراً، لكن موقفها حتى المؤيد لم يكن على المستوى المطلوب بحجم ما تفرضه أزمة كهذه وبحجم الامتيازات التي كان رجال العشائر يتمتعون بها في إدارة البلاد والمناصب السياسية فيها منذ عام 1970، فالجزء الغالب في شرق البلاد تأثر بارتباطه الوثيق والعضوي في امتداد مساحة العراق والسعودية بالعشائر الأخرى وركب موجة إسقاط الدولة السورية ودعم المد الإسلامي المتطرف الذي قاد العمليات المسلحة كافة في البلاد وإن اختلفت التسميات، لكن يبدو أن داعش أخطأ في حساباته مع أن تنظيمه العراقي قائم في جزء من هيكليته على الحاضنة الشعبية العشائرية، فالعشائر السورية رفضت هذا التنظيم لجملة أسباب على رأسها، عدم مراعاة داعش للتقاليد العشائرية التي تفضل استقلالية تامة في إدارة شؤونها الداخلية، بمعنى يطغى العرف عند العشائر على أي عامل آخر حتى لو كان هذا العامل قائماً على أساس ديني، والمطالبة بمبايعة الخليفة تفرض بشكل تلقائي على العشائر الانصياع لطريقة حكم داعش. أما السبب الآخر فهو يعود إلى الصراع على حقول النفط والغاز الموجودة في المنطقة الشرقية والتي يريد داعش استغلالها وفقاً لحاجاتها ومنع العشائر من الاستفادة منها مع ما يحمله ذلك من حجب «للمكتسبات» التي حققتها العشائر من الفوضى المسلحة القائمة في المنطقة الشرقية من سورية وتراجع دور الدولة فيها.
هذه الأسباب فضلاً عن مجموعة عوامل أخرى دفعت الغرب عموماً والولايات المتحدة خصوصاً للتركيز على الصراع بين العشائر السورية وداعش وذلك لتحقيق هدفين:
– الأول: تكرار تجربة الصحوات في العراق والرهان على قوة العشائر في المنطقة الشرقية، خصوصاً أن بعضها لا يؤيد الدولة السورية، وبالتالي تطويع العشائر بيد الغرب.
– الثاني: اجتذاب العشائر في شرق البلاد وإغرائها سيساعد الأميركيين في امتلاك ورقة تفاوضية ضاغطة في حال نجحت العشائر في دحر تنظيم داعش، خصوصاً في ظل حالة العداء الظاهرة لهذا التنظيم في عدد من الدول التي يوجد بها.
– الثالث: التحالف مع العشائر وتبني مطالبها لا يحمّل الإدارة الأمريكية عبء الإسلام المتطرف ودولة الشريعة الإسلامية التي لا تلق حتى اللحظة أي تبنٍ من أي مسؤول غربي في دول الديمقراطية الموعودة للربيع الأميركي.
هي ورقةٌ جديدة تريد واشنطن امتلاكها في إطار صراع على سورية وخياراتها، صراع لا يبدو أن البيت الأبيض يئس من الانتصار فيه حتى اللحظة.
كاتب سوري