العراق بين أميركا وإيران

العلامة الشيخ عفيف النابلسي

لا يمكن للولايات المتحدة الأميركية أن توقف تدخلها في العراق. هذا البلد هو الأهمّ بالنسبة إليها بين العديد من بلدان المنطقة لأسباب استراتيجية وحضارية وجغرافية واقتصادية، ولولا هذه الأسباب لما أقدمت عام 2003 على احتلاله وتثبيت نفوذها وتغلغلها في مفاصل الدولة السياسية كلّها، وصولاً إلى المكوّنات العشائرية والعرقية المتنوّعة المذاهب الدينية.

والأحداث الأخيرة التي شهدها العراق كان واضحاً دور الأيادي الأميركية في اندلاعها ونتائجها، وهي ليست المرة الأولى التي تفتعل فيها أميركا أحداثاً ترى أنها ضرورية لإبقاء العراق في حالة من الفوضى والانقسام. ومَن يطّلع على تفاصيل الحياة السياسية فالأوضاع الأمنية داخل العراق فسوف يجد أن البرابرة كانوا أقلّ من الأميركيين همجية ومكراً، فهم مارسوا كل صنوف الظلم من الاحتلال إلى التخريب إلى التدمير إلى الإفساد إلى القتل إلى الاستعباد فالفتن الطائفية والعرقية.

والمشهد العراقي يضجّ بالأمثلة التي تُظهر بشاعة ما اقترفته اليد الأميركية ليبقى الحكم تحت قبضتها وثروات النفط في حوزتهما. وللأسف هناك بعض السياسيين العراقيين وبعض الأحزاب عملوا منذ سنوات حتى اليوم لإرضاء أميركا ولو على حساب دماء العراقيين ووحدة العراق.

ولا أدري ألم يتعلّم هؤلاء أنّ الأميركيين لا يهمّهم الخونة إلا بمقدار ما يحققون لهم مصالحهم؟!

أتعجّب بنحو كبير من بعض هؤلاء الذين يلتصقون بالأميركان، وكأن الأميركان «إله يُمِيتُ يُحْيِي وهو على كلّ شيء قدير».

أبداً، الأميركان أقوياء عندما يجدون أمامهم رجالاً متخاذلين ومنافقين وضعافاً وسراقاً. نعم، عندها يكون الأميركي قوياً. أما عندما يجد في مواجهته مؤمنين وأعزاء وشرفاء ورجالاً ثابتين فإنه سيتداعى ويسقط وينهزم وينسحب.

لقد أكد الإمام الخميني رضوان الله عليه على فكرته القائلة: عندما ترضى عنك أميركا فاعلم أنك على خطأ .

ذلك أنّ أميركا لا ترضى إلا عن العملاء والمنافقين وأصحاب المصالح الشخصية والطامحين إلى المناصب والكراسي الزائلة.

وأحد أبرز العوامل لقوة الجمهورية الإسلامية الإيرانية ووحدة شعبها هي مُعاداتها لأميركا، فيما أحد أبرز العوامل في ضعف العراق وتمزّق شعبه هي في محاباة وإرضاء أميركا.

فهل يعي الشعب العراقي هذه الحقيقة، ويبدأ بتصحيح نظرته إلى أميركا التي تسبّب كلّ هذه الفوضى والدمار وإراقة الدماء؟

في المقابل هل يعيد تصحيح النظرة إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي تسعى هي بكلّ جهدها لاستقرار العراق وتقدّم كلّ هذه التضحيات لوحدته وإباء شعبه وكرامته؟ إنّ أميركا هي التي يجب أن تخرج من العراق، لأنها بلد احتلال وقوة هيمنة، أما إيران فهي التي يجب أن تكون الصديق لأنّ إيران ما كانت إلا في موقع احترام سيادة العراق وهي التي ساعدته في ظروفه ومحنه كلّها من أجل أن يبقى موحداً مستقراً آمناً.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى