مختصر مفيد
مختصر مفيد
تدير السعودية بطريقة تاجر البندقية معادلات مَحافظ الأسهم في المنطقة، من دون قدر من الحساب للمشاعر ولا لما يقال هنا أو هناك. بجفاف قلب الصحراء، يقف النظام السعودي أمام مشهد دماء أطفال غزّة بعد قرابة الشهر على حرب الإبادة مستغرباً صمت العالم، بينما كان البيان السعودي يتيماً، قياساً بعشرات البيانات القاسية والحادة والمشفوعة بخطوات عقابية، قد صدرت من رؤساء دول في أميركا اللاتينية. هذا بينما من صفقوا لـ«إسرائيل» خجلوا من مشهد الدم أكثر ممّا خجل النظام السعودي من بيانه البارد الذي لم يقنعه بصدقه من كتبوه.
مَحافظ الأسهم كما يراها تاجر البندقية السعودي، «مالنا ومالهم، وأبغي حبة داعش تبقى مقابل حبة غزّة، وكلام الحريري القاسي مقابل عناد المالكي، وما تسهّل غزّة المبادرة المصرية و تسلّم لسلطة رام الله وتكتفي بالتخباية فداعش لا تنسحب إلا خارج مدينة عرسال وتكتفي بالتخباية». هذا هو فهم النظام السعودي كنظام لا مكان فيه للمشاعر لا بالعزّة التي صنعتها غزّة للعرب ولا للقهر والحزن من مشاهد الموت والقتل التي صنعها «الإسرائيليون» هناك.
لا يرى النظام السعودي كنظام قبالته إلا….، ستظنون إيران وأنتم مخطئون، فلا مشكلة للنظام السعودي كنظام مع إيران، وهو يرى فرصاً كثيرة للتفاهم معها ضمن المعادلات الدولية الناتجة عن طول أمد التفاوض بينها وبين الغرب وعلى رأسه أميركا. والملفات الخليجية كثيرة للتفاوض وصناعة التفاهمات، لولا….، ستظنون لولا الوضع في العراق وأنتم مخطئون، ففي العراق ساحة التفاوض الدسمة والمغرية حيث المصالح الحيوية لإيران والطبيعة الديمغرافية لا تسمح للنظام السعودي كنظام بلا قلب، أن يحلم بالحكم، بل بوضع تفاوضي جيد للشراكة فيه. وها هو بات يملكه بعد ظهور داعش حيث التغطية التي يقدمها، أو يمكن أن يقدمها، أو يستطيع ان يقدمها النظام السعودي كنظام، تمنحه أكثر مما تعطيه الديمغرافيا وتوازنات الطوائف، وهو كنظام بلا هوية ولا مشاعر كان مستعداً أن يفعل ذلك لو أنّ إيران في وضع مختلف، إلا أن المشكلة هي…. ستظنون سورية، وأنتم مخطئون، ففي سورية حرب عمرها ثلاث سنوات ويزيد، وقد مرت الحرب في ظروف ومعادلات كان الرهان السعودي على كسبها في مكانه كما يرى أهل الشعاب وقصور الرمال. وكاد النظام السعودي يحتفل بقرب سقوط النظام الواقف على نقيض من مواقفه إزاء كل ما يجري في المنطقة فوق تلال قاسيون، لولا البحصة التي تسند الخابية، التي يرى النظام السعودي كنظام أنها سببت له الهزائم وغيرت مجرى الصراع وبالتالي المنطقة… إنه حزب الله.
لا يرى النظام السعودي كنظام قبالته إلا حزب الله، فلولا ما وعد به هذا الحزب القيادة الإيرانية من إنجازات في غزّة وسورية والعراق ولبنان لما كان لديها هذا العناد التفاوضي مع الغرب. واستطراداً مع النظام السعودي كنظام بلا مشاعر. ولولا هذا الحزب ومتمماته المنبثقة من ذات الرحم، المسماه بكتائب حزب الله في العراق، وعصائب أهل الحق لما تغير المشهد العراقي وتسبب بالمزيد من العناد المالكي. ولولا حزب الله لما كان هذا الصمود الأسطوري في غزّة، ولولاه ما نجح الحوثيون في اليمن في بلوغ أبواب صنعاء وتحويل الجيش السعودي إلى مصدر للسخرية في الصحافة الغربية. ولولا حزب الله خصوصاً، لما تغير برأي النظام السعودي، كنظام بلا مشاعر، المشهد السوري نحو هزيمة سعودية محققة، بعدما كان طعم النصر السعودي على مسافة حبة تمر من الشفاه المدلاة كرأس تدلى ذابلاً ناشفاً بعد طلوع الروح من على حبل المشنقة.
كل شيء حلال لمعاقبة حزب الله. هذا هو مضمون الخطاب الاستراتيجي للنظام السعودي كنظام. هذه المرة لا مكان عنده للتهاون وإلا إنهار كل شيء. فلتفتح خزائن المال لميشال سليمان وسعد الحريري ولينادي المنادي داخل صروح الدولة اللبنانية «على أوني على دوي على تري مين باع مين اشترى مين قال أنا؟». الجهاز الأمني الذي يسلّم رأسه للمشاركة بالتآمر على حزب الله ستصرف له الأموال بتوقيع من الحريري تحت بند الحرب على الإرهاب. والضابط الذي يقبل دخول جنة الرضا السعودية سيعيّنه سليمان في لجنة السلاح الفرنسي، وداعش تبقى في جرود عرسال اللبنانية غب الطلب فالحرب لم تنته.
يجب أن تنضب مَحافظ السندات التي يملكها النظام السعودي كنظام حتى يتغير المشهد ويستعيد المشاعر من موقع الضعف كعائلة وليس كنظام، فيسمع الصراخ على أبواب الموصل والرقة وحلب وتحسم القلمون عن بكرة أبيها بقوة السلاح وقرقعة البنادق، وتستغيث حكومة صنعاء، وهذه المرة لا يبقى إلا صوت المنادي ينادي: «هل من مبارز… هل من مُنازل؟».