السعودية «إسرائيل» من التوافق الاستراتيجي إلى التحالف الاستراتيجي
د. مهدي دخل الله
مصطلح «الاستراتيجي» الوارد مع «التوافق» «والتحالف» كليهما يعني أنّ العلاقة السعودية ــــ «الإسرائيلية» تخصّ أموراَ مهمة وذات أولوية للطرفين، وأنها طويلة الأمد كما أنها تعتبر «حاملاً» والأبعاد الأخرى للسياسة الخارجية للسعودية «محمولاَ».
أما التوافق consensus فيعني شراكة غير منظورة وغير مباشرة ولا يعترف بها الطرفان علناَ. والتوافق أقلّ من التحالف والاتفاق والتفاهم لأنّ هذه الأمور تتطلب اتصالاً مباشراً وعلنياً بين الطرفين، لكن الوظيفة هي نفسها ما دام الأمر يتعلق بأمور استراتيجية. فما يؤدّيه التوافق من نتائج لا يقل عما تؤدّيه الأشكال العلنية الأخرى في الأمور الاستراتيجية. وهذا ينبع من منهج ذرائعي براغماتي وهو المنهج السائد لدى جميع دول العالم المعاصر، خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وتراجع العامل الإيديولوجي المبدئي من سياسات الدول الخارجية…
التوافق الاستراتيجي تحوّل بسرعة تحالفاً استراتيجياً بين السعودية و«إسرائيل» لأسباب وتحوّلات عدة دفعت بهما إلى «مواجهة التحدّي المشترك» والعلني لما يحصل على الساحة الدولية. التحوّل الأول هو فشل عملية القضاء السريع على عدوَّي البلدين الأساسيين، حزب الله وسورية، أو على الأقلّ فشل هذه العملية حتى الآن وتراجع آفاق نجاحها في المستقبل.
التحوّل الثاني البنيوي هو اتفاق 5+1 مع إيران الذي أدخل طهران إلى دائرة التأثير الإقليمي والدولي من باب عريض، وهو ما تعتبره السعودية و«إسرائيل» خطراً مشتركاً من الدرجة الأولى…
أسرعت السعودية بتقديم «أوراق اعتمادها» المجانية إلى «إسرائيل» كردّ فعل على التحوّلات المذكورة. وقبل أن أذكر هذه الأوراق أودّ أن أشير إلى تجربة السادات في «الأوراق المجانية» عندما قام عام 1972 بطرد الخبراء السوفيات من مصر لعلّ واشنطن تثق بصدق توجّهه نحوها. هي أوراق اعتماد مجانية لأنّ السادات لم يتفق مسبقاَ مع أميركا على «ثمنها». كتب كيسنجر عندها معلقاً على تصرّف السادات: «لا تنتظر منا أيّ تعويض لأنّ السياسة كالتجارة لا أحد يدفع ثمناً لبضاعة حصل عليها مجاناَ»…
نعود إلى أوراق اعتماد السعودية لدى «إسرائيل»، الورقة الأولى كانت محاولات ضرب سورية كمركز أساسي داعم للمقاومة. الورقة الثانية منع المسلحين التابعين للرياض من إزعاج «إسرائيل» والسماح لهم بالتنسيق معها والاتصال بها. الورقة الثالثة إعلان حزب الله «منظمة إرهابية» وهذه هي الورقة الأقوى. الورقة الرابعة هي مسألة جزيرتي تيران والصنافير التي دخلت عبرهما السعودية إلى «بيت كامب ديفيد» من النافذة وأضحت مرتبطة باتفاق غير مباشر مع «إسرائيل»…
كلها أوراق مجانية، لأنّ السعودية التزمت بكرم حاتم الطائي ولم تحصل من الكيان الصهيوني على أيّ مقابل، بدليل أنّ موقف «إسرائيل» من القضية الفلسطينية وهي القضية الخلافية الأساسية مع السعودية ما زال كما هو بل زاد تعنّتاً.
المناظرة بين تركي الفيصل وأريدور في واشنطن هي «قرع على الباب» بعد «النافذة التيرانية الصنافيرية»، وهي تعبير عن استعداد الرياض للانتقال من التوافق إلى التحالف مع تل أبيب، أيّ الانتقال من تحت الطاولة إلى فوقها…
الأيام القليلة المقبلة سوف تظهر «قرعاً سعودياً أقوى على باب إسرائيل» دون أيّ تنازلات من تل أبيب ولا حتى إطلاق سراح السجناء الفلسطينيين. كانت الرياض تأمل بأن تعلن «إسرائيل» «دولة فلسطينية شكلية» كي تُنهي كلّ الحجج حول «القضية الفلسطينية» بقيام دولة فلسطينية «مسخ»، لكن حتى هذا لن تعطيه «إسرائيل» للرياض ما دامت تحصل على ما تريد دون أيّ تنازل…
وزير وسفير سوري سابق