عودة الحريري… لملمة شارع «المستقبل»

هتاف دهام

… وعاد الرئيس سعد الحريري بصورة مفاجئة من منفاه الاختياري عبر مطار بيروت الدولي بعد ثلاث سنوات من مغادرته لبنان بصورة مفاجئة أيضاً، كانت سبقتها مشاركته في الذكرى السادسة لما أطلقوا عليه اسم «انتفاضة الاستقلال» التي تلت اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري عام 2005. الذكرى التي خلع فيها سترته وربطة عنقه، وأكد أنّ مطالب السيادة والاستقلال والمحكمة الدولية تحققت وبقي علينا إنجاز الحرية. لم تمضِ خمسة أشهر حتى غادر الحريري الى المملكة السعودية، يومذاك كشف الأمين العام لتيار المستقبل أحمد الحريري عن إشارات أمنية وصلت إلى رئيس التيار سعد الحريري دفعته إلى مغادرة البلاد لحماية نفسه.

وأكد أنّ الحريري سيعود إلى بيروت في اللحظة التي تزول فيها المحاذير الأمنية لكن موعد هذه العودة منوط فقط بالحريري الذي يحدّد الوقت المناسب، خصوصاً أنه على اتصال دائم مع تياره الذي يطلعه في شكل يومي على الوضع في البلاد من أصغر تفصيل إلى الأمور الاستراتيجية الكبرى.

فهل زال الخطر الأمني؟ أم أنّ الأحداث الأمنية والحركات الإرهابية التي تنامت على مدى السنوات الثلاث الماضية بفعل سياسات تيار المستقبل كانت وراء عودة الحريري الى لبنان؟

لم يعد الحريري إلى لبنان عبر مطار دمشق الدولي كما وعد مناصريه، الذين تأقلموا مع مراهنات تيارهم الفاشلة. حط في مدرج مطار بيروت الدولي في لحظة سياسية خطيرة ودقيقة تبدأ بالمعركة في عرسال التي يخوضها الجيش اللبناني في محاربته الإرهابيين وتداعياتها وإمكانية تكرارها مع انسحابهم إلى الجرود، ودخول تنظيم ما يُسمّى «الدولة الإسلامية في العراق والشام ـ داعش» على الساحة اللبنانية، إلى المراوحة في الملف الرئاسي وتعطيل عمل المؤسسات التي يتحمّل مسؤوليتها بصورة أساسية الرئيس فؤاد السنيورة.

عاد الحريري الى بيروت مع انهيار المنظومة الفكرية لـ14 آذار على المستويين المسيحي والاسلامي، لا سيما داخل الطائفة السنّية التي تعاني تخبّطاً، فلو لم يأتِ الحريري لما عادت 14 آذار وليس صحيحاً ما قاله رئيس حزب القوات سمير جعجع إنّ 14 آذار اكتمل عقدها بعودة الحريري، فالمنظومة الفكرية لهذا الحراك سقطت في الأحداث التي وقعت على مستوى المنطقة ولبنان. عاد الحريري والصراع على أشدّه بين التطرف والاعتدال في المنطقة والذي أخذ أبعاداً خطيرة.

تكتسب عودة الحريري الى بيروت أهمية كبيرة في الوقت الراهن، لا سيما بعد أحداث عرسال وما أثبتته من خرق تكفيري في صفوف تيار المستقبل، بعدما كان مطلوباً من التيار الأزرق أميركياً وأوروبياً منع تمدّد «داعش»، إلا أنّ ما حصل كان النقيض. عشعشت هذه المجموعات في مناطق تواجد تيار المستقبل، ودخلت الى أعماق هذا التيار الاعتدالي.

استشعرت السعودية أنّ الشارع السني في خطر، فالملك السعودي عبدالله بن عبدالعزيز دعا الأسبوع الفائت الى محاربة الإرهاب الذي موّلته المملكة نفسها في سورية. عاد الحريري مستلحقاً ترميم ما تهدّم على يد الرئيس فؤاد السنيورة والنائب أحمد فتفت لإعادة بوصلة الخط المعتدل الذي يمثله وتيار المستقبل في مواجهة النزعات المتطرفة.

يستشعر الحريري خطر تمدّد التيارات السلفية وما تقترفه جماعاتها بحق تياره بعدما جرى من رفض المساعدات في عرسال. يسارع الرئيس الأسبق للحكومة إلى ضبضبة الوضع السنّي ولملمة ما فعله من تقوية للمتطرفين في السنوات الماضية مع بدء الأزمة السورية وبث النعرات الطائفية، ودعمه تحرك الشيخ الفار أحمد الأسير في أحداث عبرا، وتغطية وتمويل قادة المحاور في طرابلس الذين انقلبوا عليه وبدأوا يستميلون شارعه لا سيما الطرابلسي الذي نزع عنه ثوب الحريرية السياسية ولبس ثوب التيارات السلفية.

وعلى رغم ذلك، تؤكد أوساط الرئيس الحريري أنّ الاولوية اليوم عند رئيس المستقبل تقديم الدعم الفوري للجيش عبر هبة المليار دولار التي قدمها الملك السعودي للجيش والقوى الامنية اللبنانية، إلا ان مصادر في 8 آذار ترى أن إشراف الرئيس الحريري على الهبة التي سيقبلها مجلس الوزراء في أول جلسة يعقدها، هو تعويم من السعودية للرئيس الحريري الذي سيستفيد منها ويصرفها كما يشاء.

لن تنتج عودة الحريري الى لبنان انتخاب رئيس للجمهورية الثلاثاء المقبل، فالمؤشرات الإقليمية والدولية لا توحي بذلك، القناة الايرانية السعودية لا تزال مقفلة، والمفاوضات النووية الايرانية مع الدول الست لم تحدث أيّ خرق جديد يعوّل عليه.

وإذا كان البعض يعتقد أنّ العودة الحريرية الى لبنان ستأتي بالعماد ميشال عون رئيساً للجمهورية وبالرئيس الحريري رئيساً للحكومة، فإنّ ما يرشح من معلومات وفق مصادر مطلعة يشير إلى أنّ قدومه الى لبنان لم يحمل أي تسوية كبيرة في شأن الاستحقاق الرئاسي.

تجزم مصادر مطلعة لـ«البناء» أن لا بوادر حلحلة توافقية قبل شهر أيلول المقبل، فالتوافق الرئاسي لا يحتاج الى عودة الحريري الى بيروت، لو كان هناك من بوادر حلّ إقليمية ودولية لذلك. النقلة النوعية في المواقف الاقليمية والمحلية لا توحي بتغيير جذري، والعماد ميشال عون لن يساوم على المعادلة التي وضعها والتي تؤكد المناصفة وقانون الانتخاب الذي يضمنها ويحافظ على صحة التمثيل.

وتشير المصادر الى انّ صفقة رئيس جبهة النضال الوطني النائب وليد جنبلاط – الرئيس ميشال سليمان- الرئيس سعد الحريري، القائمة على انتخاب قائد الجيش العماد جان قهوجي رئيساً للجمهورية والعميد شامل روكز قائداً للجيش، وإجراء انتخابات نيابية وفق القانون الارثوذكسي باءت بالفشل، فحزب الله أبلغ جنبلاط انّ الجنرال عون هو مرشح حزب الله، طالما هو مستمرّ بالترشح، وعندما يسحب ترشيحه فهو من يُسمّي المرشح للرئاسة. وعلى عكس الأجواء التي يبثها النائب جنبلاط أو موفده الى عين التينة الوزير وائل أبو فاعور أنّ هناك تباشير لتسوية رئاسية مع عودة الحريري في الإعلام، فإن جنبلاط يؤكد في الصالونات الضيقة أنّ كرسي الرئاسة الأولى لا تزال عصية على الحلّ.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى