الإرهاب يخرق الهدنة في سورية بغطاء دولي…
جمال محسن العفلق
مع استمرارِ خرق الهدنة المتكرّرة من قبل الفصائل الإرهابية المدعومة من غرفةِ العمليات في تركيا والتي تحظى بغطاءٍ دولي يحمي هذه الخروقات، حيثُ يتلاعب الإعلام المعادي للشعب السوري في عقول الناس ويصوّر القصف الإرهابي المتكرّر وكأنه زهورٌ وياسمين ويصفُ الردّ من الجيش السوري على انّه اعتداء على الإنسانية، فقد عدنا من جديد إلى غرفِ الإعلام الأسود ودوره في تزوير الحقائق.
وفي وقت يتمسك الجيش السوري فيه بضبطِ النفس، وعدم الانجرار إلى إشعال جميع الجبهات، تسعى غُرفة العمليات المشتركة في تركية إلى الدفع باتجاه الحرب، وضرب جدران الهدنة المتهالكة اصلاً، حيث تعمل تلك الجماعات على تنفيذ أوامر الرياض وأنقرة في محاولة منها لتبرير انسحابِ وفد الرياض من المفاوضات السابقة، وتسجيل ايّ تقدّم عسكري يكون ورقة ضغط للجولة المقبلة، التي أعلنت عنها الأمم المتحدة. تلك الجولة والتي لن تُسفر عن شيء لعلمنا المسبق أنّ الإرهاب لا يستطيع العيش في بيئة مسالمة، ولهذا ستجد الرياض طريقاً آخر لخرق الهدنة. فبعد التوصل إلى اتفاق روسي أميركي حول تحديد مناطق تواجد «جبهة النصرة» وفصلها عن الفصائل السابقة نجد من يعلن عن محاولات سعودية تركية لتوحيد تلك الفصائل تحت اسم «جيش الفتح». فأميركا تتقبّل تغيير الأسماء رغم علمها بأنّ الجوهر والفكر لدى هذه الجماعات واحد، فمنذ نشأة القاعدة مروراً بـ»داعش» و»النصرة» و»أحرار الشام» و»جيش الفتح»… إلخ من الأسماء، لم يتغيّر شيء، الإرهاب هو الإرهاب، وعمليات القتل لا تفرّق بين كبير وصغير، فأصل الحرب في سورية يعتمد على نشر الإرهاب التكفيري فيها وفرض الجماعات الإسلامية المؤمنة بالعنف على الشعب السوري، حيث تعتقد الإدارة الأميركية أنّ مثل هذه الجماعات يمكن احتواء افرادها في ما بعد، من خلال تركيا والسعودية والدول الأخرى المساهمة في التمويل.
ويعلم الأميركي أنّ الجماعات الإرهابية لا تحترم الهدنة، ولكن الواضح انّ الولايات المتحدة تريد إرضاء الحلفاء، وخصوصاً أنّ إدارة أوباما لم تعد تعمل على إيّ ملف دولي إنما تحاول تمرير الوقت وإضاعته إلى حين وصول رئيس جديد للولايات المتحدة، فقد تعوّد الأميركان أنّ مصالحهم الانتخابية كما الاقتصادية هي أولوية وإنْ كانت على حساب دماء ثلثي العالم.
فالخروقات المتكرّرة للهدنة الدولية، لا يمكن لأحد أن يخفيها وقصف المدنيين والأحياء السكنية بقذائف الهاون مستمرّ، ورغم ذلك يطلب المجتمع الدولي من الجيش السوري عدم خرق الهدنة، وبمعنى آخر ترك مساحة للجماعات الإرهابية لتنفذ ما تريده دون حسيب أو رقيب. ما تريده قوى العدوان على سورية وشعبها اليوم هو تطهير يد الجماعات الإرهابية من دماء الأبرياء، فالأرقام الدولية لا تذكر عدد المدنيين الذين يسقطون نتيجة هذه الاعتداءات، ولكن تسجل مقتل أحد الإرهابيين وتضاعف العدد، كما تكرّر وصف المسلحين على أنهم «ثوار معتدلون»، بمن فيهم كتائب الشيشان والاوزبك والتركستان، وكلها فصائل لمقاتلين أجانب أتوا إلى سورية عبر تركيا وبمال عربي لنشر الدمار والقتل فيها.
وإذا كان الجيش السوري قَبِل تمديد الهدنة، فإنه أراد إعطاء فرصة جديدة للمحاور الروسي، كي يكسب الوقت ولإحراج الأميركي واختبار مدى سيطرته على تلك الفصائل التي تعمل تحت لواء حلفاء أميركا، وخصوصاً تركيا والسعودية، فالواضح أنّ كلاً من تركيا والسعودية ترغبان بتصدير أزماتهما الداخلية إلى سورية والهروب من الفشل في السياسة الخارجية ومن الضغوط الداخلية بالاستمرار في دعم القتل في سورية.
وما زال ما يسمّى وفد الرياض من جهة وائتلاف الدوحة الخائن بكلّ من فيه يصرّحون ليل نهار عن ثورة الشعب السوري، لتغطية الأعمال الإرهابية التي يدعمها المشغّلون لهم، ولم يتردّد الائتلاف الخائن في تبرير عمليات قصف المشافي التي تقوم بها الجماعات الإرهابية يومياً.
لم يعد مقبولاً اليوم وصف أيّ جماعة مسلحة تحمل السلاح ومموّلة من الخارج وتتبع لقوى إقليمية أو دولية بالجماعات المعتدلة. فهذه الجماعات الاعتدال في أدبياتها هو قتل الأبرياء وقطع الطرق وحرق المصانع وسرقتها ومنع وصول المواد التموينية إلى المدن والقرى السورية. وما قامت به هذه المجموعات على اختلاف المسمّيات هي جرائم حرب وجرائم ضدّ الإنسانية، فكيف يُطلب إلينا أن نفصل بين قاتل وقاتل إذا كانت النتيجة دم إنسان سوري وروح تزهق؟.. فما دفعه السوريون في السنوات الخمس الماضية لن يكون أكثر إذا ما كانت حرباً شاملة تنهي هذا الإرهاب وتقضي عليه، فما حدث في سورية منذ البداية كان حرباً هدفها سياسي وهو القضاء على خط المقاومة ومحورها من طهران إلى لبنان، واقتصادي لتمرير الغاز القطري عبر الأراضي السورية للضغط على روسيا وكسب السوق الأوربية، وديني لنشر الإسلام الأميركي الذي تحدث عنه اوباما في زيارته المشهورة إلى القاهرة.
لكن الضحية في هذه الحرب هو الإنسان السوري، الذي يعي يومياته مع السيارات المفخخة أو قذائف الهاون أو قطع الطرق وقنص المدنيين، وبرضاً من كلّ المتبجّحين بالإنسانية وحقوق الانسان.
وكما تحظى الصهيونية بغطاء دولي لكلّ جرائمها تحظى اليوم الجماعات الإرهابية في سورية بالغطاء نفسه وسط صمت دولي كامل، ترعاه الولايات المتحدة والدولار الذي يشتري ذمم سياسيين ورجال دين وإعلاميين تحت اسم نشر الديمقراطية والحرية للإنسان. هذه الديمقراطية التي حصدت أرواح ملايين البشر وما زالت…