اعتصامٌ في ساحة الشهداء تضامناً مع الجيش ودعوى قضائية جماعية ضدّ النوّاب المحرّضين لتجريدهم من «نعمة الحصانة»

أحمد طيّ

باكراً كان الوصول إلى ساحة الشهداء، هناك، عُلّق علمٌ لبنانيّ متوسّط الحجم في يد أحد التماثيل، فيما أُلصقت أعلام لبنانية وأخرى للجيش ورقية وصغيرة على النصب وحوله. الساحة خالية إلا من شخصين ودركيّ كان ينظر كلّ حين في ساعته. وفي مكان ليس ببعيد، كانت الألعاب النارية تُطلق في الهواء ابتهاجاً بقدوم أحدهم مع مليار دولار، مع أنّ الشمس لم تغب بعد للتمتّع بمشهد تلك الألعاب النارية، ما يدلّ على «عهرٍ» في مكان ما!

الشخصان جلس قربهما آخران، فآخرين، وما هي إلا دقائق، حتى توافد العشرات، حاملين رايات وملصقات داعمة للجيش، أما المناسبة، فالتضامن مع جيش الوطن.

وكم كانت الفرحة كبيرة عندما تقدّم منّي شاب في مقتبل العمر، معلناً أنّه يعرفني، لأكتشف سريعاً أنّه أحد الأشبال الذين كنت أهتم بهم في البقاع الشمالي، وقد كبر وأصبح تلميذاً جامعياً، ولأكتشف أيضاً أنّ أشبالاً آخرين حضروا معه، وكان التعارف من جديد الذي لا يخلو من رحلات في الذاكرة.

أمس، كانت ساحة الشهداء على موعدٍ مع اعتصامٍ جديد دعت إليه مجموعة من الشباب اللبنانيين والناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، وإذا كان الاعتصام الأول منذ أيام عفوياً، فإنّ اعتصام أمس كان شديد اللهجة من حيث البيان الذي ألقي، وكان أيضاً مدعّماً بدعوى قضائية رُفعت ضدّ المحرّضين على الجيش، ووقّع عليها المعتصمون.

البيان

وألقى البيان الزميل فراس خليفة وفيه جاء: «يخوض أبطال الجيش اللبناني حرباً وطنية ضدّ الإرهاب، ويرتقي له فيها شهداء، وجنوده البواسل يُجرحون. هم أهلنا وأخوتنا وأبناؤنا. وفي هذه الحرب، لا مجال للوسطية أو الرمادية: فإما نكون مع الجيش أو نكون مع الإرهاب. وعندما نكون مع الجيش فإننا نكون مع أهلنا في عرسال ومع أنفسنا، لا كما يروّج المراوغون والانتهازيون من أن الجيش يحارب أهل السنّة. إنّ نواب «داعش» في البرلمان ووزراءها في الحكومة وزعماءها السياسيين المتلطّين خلف أسماء مختلفة، هم شيوخ الفتنة وأمراء حروب المَحاور التي كدًسوا بسببها ثروات طائلة. ونحن اليوم نطالب بمحاسبتهم جميعاً من دون استثناء»

وحمل البيان على رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي، معتبراً أنّه «هرّب المدعو شادي مولوي بسيارته، وهو أي مولوي يقود اليوم معركة عسكرية ضدّ الجيش في طرابلس». كما شنّ البيان هجوماً عنيفاً على النوّاب: محمد كبارة وخالد الضاهر ومعين المرعبي، وعلى وزير العدل أشرف ريفي، «الذين يغطّون إرهاب داعش يومياً ويقدّمون لها المبررات والذرائع الواهية، ويهاجمون الجيش منذ سنوات».

وتابع البيان: «إن الجيش هو حامي لبنان واللبنانيين، والتضامن معه تضامنٌ مع اللبنانيين جميعاً، خصوصاً أهالينا في عرسال الذين كانوا ولا يزالون ضحايا سيطرة الإرهابيين. ولذلك، إن الحملات البغيضة التي قادها سياسيون ضدّ الجيش بهدف إحداث شرخ بينه وبين أهالي عرسال، لا يمكن اعتبارها مجرّد صدفة. لا، فداعش صار لها نواب في البرلمان ووزراء في الحكومة، فكيف يمكن لقيادة الجيش أن تثق بسياسيين من حلفاء داعش في التفاوض على دماء الشهداء؟».

وجاء أيضاً في البيان: «إننا مصرّون على دعم هذا الجيش لأنه مؤسستنا الوطنية الجامعة، ولأنه إن ضعف أو تقاعس، سيفتح الباب أمام عملية تسلّح لجميع اللبنانيين، أوسع من الوضع الحالي، لأنه لا يمكن مواجهة الإرهاب إلا بالمقاومة.

مصرّون، ولو أننا فوجئنا اليوم بمن يفاوض مع الإرهابيين، ودماء الشهداء لم تجف بعد، فوجئنا بمن يعقد التسويات على حساب أسرى الجيش وشهدائه وجرحاه، لا بل جرى تأمين الخروج للإرهابيين وبحوزتهم الضباط والجنود، وصارت مهمة تحريرهم أصعب وهم في أعالي الجرود. فوجئنا، ونطلب تفسيرات عمّا حدث من تفاوض».

وختم البيان داعياً الذين يعلنون دعمهم الجيش، إلى ترجمة هذا الدعم عبر خطوات ملموسة بعيدة عن الخطابات.

الدعوى

أما بخصوص الدعوى التي رفعت إلى النائب العام التمييزي، عبر مكتب نوفل وبزي للمحاماة، والتي وقّع عليها المعتصمون، فإن آخرين ممن لم يتسنّ لهم الحضور إلى الاعتصام، سيوقّعون عليها أيضاً، علماً أنّ هذه الدعوى ليست الأولى التي ترفع ضدّ المحرّضين على الجيش.

ومما جاء في نصّ الدعوى:

المدعى عليهم: النائب خالد الضاهر، النائب معين المرعبي، النائب محمد كبّارة، المدعو الشيخ داعي الإسلام الشهّال، المدعو الشيخ سراج الدين زريقات وكل من يظهره التحقيق.

الجرائم: /303/ و/305/ و/308/ و/317/ و/379/ 219 و/383/ من قانون العقوبات.

الوقائع: منذ مدّة، يعيش البلد حالة من التوتر والعصبية المذهبية بسبب انفلات الخطاب السياسي والديني لدى الكثيرين، لا سيما المدعى عليهم. ولا يخفى على أحد أنّ النواب المدّعى عليهم تحديداً، يتلطون تحت عباءة الحصانة النيابية للتهجّم على الجيش اللبناني وقائده وبثّ النعرات الطائفية، وهو ما يقوم به المدعى عليهما الآخران أيضاً.

وإثباتاً لهذه الوقائع الجرمية، نكتفي بإبراز نسخ عن المنشورات التي تتضمّن تأكيداً على وقوع هذه الجرائم، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:

أ ـ المقال المنشور على موقع الجديد العربي الإخباري وهو يشكل خلاصة للتحريض المنسوب إلى النواب المدعى عليهم على إثر حادث الاعتداء على عناصر الجيش اللبناني بتاريخ 4/2/2013 في بلدة عرسال البقاعية. المقال ـ مستند رقم 1 .

ب ـ خلاصة المؤتمر الصحافي للمدعى عليه النائب خالد الضاهر المنشور على موقع الأنباء الإخباري بتاريخ 4/8/2014 ـ إعداد زينة طبارة ـ ويتضمّن التحريض الطائفي وتبرير اعتداء الإرهابيين المحتلين أرضاً لبنانية، متذرّعاً بأنّ حزب الله هو من استدرجهم إلى لبنان وأطلق النار على الجيش وذلك خلافاً للبيانات الصادرة عن قيادة الجيش، كما يتضمّن تحقيراً مباشراً لقائد الجيش اللبناني من خلال زعمه أنه يزجّ بالجيش لتحقيق مأرب شخصي أي الوصول إلى كرسي رئاسة الجمهورية. المؤتمر الصحافي ـ مستند رقم 2

ج ـ المؤتمر الصحافي الذي عقده النواب المدعى عليهم في اليوم التالي لحرب العصابات على الجيش اللبناني في عرسال، وقد نشرته كل القنوات اللبنانية والمواقع الإخبارية، إذ تضمّن المؤتمر تحريضاً على الجيش وحزب الله بهدف تحريك النعرات الطائفية مع الطائفة السنّية الكريمة ومحاولة إظهار الجيش كأنه ينفّذ سياسات حزب الله، ما يشكل احتقاراً للجيش وقائده ودماء شهدائه وجرحاه.

د ـ في حين أنّ المدعى عليه الرابع اشتهر بفتاويه الطائفية والتحريضية ضد الجيش اللبناني، وآخرها الفتوى المنسوبة إليه وهي تحريم القتال إلى جانب الجيش وقد نشرت هذه الفتوى على جميع المواقع الإخبارية بناءً على بث قناة OTV الخبر الذي نبرز صورته ربطاً. الخبر المتعلق بالشيخ الشهال ـ مستند رقم 3

هـ ـ أما المدعى عليه الخامس فيجاهر بانتسابه إلى كتائب عبد الله عزام الإرهابية وهي جزء من تنظيم القاعدة الإرهابي، وقد طالب بمحاربة الجيش ودعا العسكريين من أهل السنّة إلى الانشقاق عن الجيش ومحاربته وحزب الله، وذلك بتاريخ 5/8/2014. الخبر المتعلق بالشيخ زريقات ـ مستند رقم 4

4 ـ حرصاً من المدّعين على الوطن والجيش والسلم الأهلي، وخوفاً من استمرار التحريض الطائفي ونشوب حرب أهلية تبعاً لذلك، وهو الأمر الذي يلحق بهم وبكافة الشعب اللبناني أفدح الأضرار المادية والمعنوية، كان لا بدّ من التقدّم من جانب نيابتكم بالشكوى الراهنة.

القانون: أولاً، في الصفة: بما أن الأفعال الجرمية المنسوبة للمدّعى عليهم قد أدّت إلى تحريض طائفي واحتقان في الشارع، ومن شأن ذلك أن يؤدّي إلى حرب أهلية تلحق الضرر بالمدعين وبكافة الشعب اللبناني، وبما أن الجيش اللبناني هو شرف كل مواطن لبناني وكرامته، وأنّ المسّ به يعني مسّاً بشرف المدعين وكرامتهم،

وبما أنّ المدّعين لهم المصلحة بوضع حدّ لهذه الجرائم حفاظاً على الأمن والسلم الأهلي باعتبار أن حياتهم متعلقة بهما كما أعمالهم ومستقبلهم، الأمر الذي يقتضي معه قبول الشكوى واعتبارهم متضرّرين والسير بالادّعاء الشخصي تبعاً لادّعاء الحق العام.

ثانياً، في الجرائم المنسوبة إلى المدّعى عليهم: بما أن أفعال المدّعى عليهم تشكيل جرائم المس بالجيش والحضّ على الانشقاق عنه والمسّ بالأمن والسلم الأهلي والتحريض الطائفي المعاقب عليها بالمواد /303/ و/305/ و/308/ و/317/ و/379/ 219 و/383/ من قانون العقوبات اللبناني.

لذلك، يتخذ المدعون صفة الادّعاء الشخصي ضد المدّعى عليهم وكل من يظهره التحقيق بالجرائم المنسوبة لهم طالبين التحقيق معهم ورفع الحصانة عن النواب منهم كون أفعالهم الجرمية غير متعلقة بأعمالهم وأقوالهم كنواب عن الأمة، وتوقيفهم وإحالتهم أمام القضاء المختص لإنزال أقسى العقوبات بحقهم وتدريكهم الرسوم والمصاريف والعطل والضرر المقدر بمبلغ مليار ليرة لبنانية ليصار لاحقاً إلى التبرع بهذا المبلغ للجيش اللبناني».

لقاءات

«البناء» التقت الزميلة نعمت بدر الدين، وهي من الداعين إلى هذا الاعتصام، وقالت: «نعبّر اليوم عن حزننا لأننا سمعنا أنّ ثمة تفاوضاً على دماء الشهداء، وتأميناً لخروج الإرهابيين مصطحبين معهم عناصر من الجيش والأمن الداخلي. ونعتبر أنّ هذا الأمر ما كان يجب أن يحدث، لا بل نعتبره تخاذلاً إلا إذا قدّمت قيادة الجيش تفسيراً مقنعاً. كما نعلن وقوفنا مع قيادة الجيش، ولا نرضى أن تتحوّل إنجازات الجيش وبطولاته إلى خسارة بسبب ضغوط سياسية معيّنة لم نلمح وضوحها بعد. كما نطالب، وضمن الإطارين الشعبي والقانوني، برفع «نعمة» الحصانة عن الدواعش الموجودين في البرلمان اللبناني، الذين يحرّضون على الفتنة ويبرّرون قتل جنودنا الأبرار».

والتقت «البناء» أيضاً الزميلة ميرنا لاوند التي كانت تحمل في يدها صورةً عن بطاقة هويتها، وأنهت للتوّ توقيعها على العريضة المقامة ضدّ النواب المحرّضين على الجيش. تقول ميرنا: «إن ما قمنا به للتوّ يعتبر مجرّد خطوة إلى الأمام باتجاه تجريد المحرضين على الجيش من الحصانة، كما أعتبره «حجرة تسند خابية»، ونأمل أن تسلك هذه الدعوى القضائية مسارها القانوني السليم، لا أن تنام في الأدراج، ليصار إلى رمي هؤلاء المحرّضين والداعين إلى الفتنة خلف القضبان».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى