تقرير
نشرت صحيفة «لوتون» الفرنسية تقريراً تحدثت فيه عن خفايا إنشاء المملكة العربية السعودية صندوقاً سيادياً ضخماً تتجاوز قيمته تريليوني دولار، واحتمالات نجاح هذا المشروع الذي أعلن عنه وليّ وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان.
وقالت الصحيفة إن المملكة العربية السعودية تسعى من خلال استعدادها لإنشاء صندوق سيادي يُعتبر الأضخم في العالم، إلى السيطرة على الموازنة المالية العالمية. لكن الخبراء يؤكدون أن السعودية ما زالت بحاجة إلى قطع أشواط طويلة قبل الوصول إلى هذه المرحلة.
وذكرت الصحيفة أن البرنامج الطموح الذي كشفت عنه السعودية يوم 25 نيسان الماضي فاجأ كثيرين من المراقبين، لكن وليّ وليّ العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، لم يخفِ منذ كانون الثاني الماضي نيته إنشاء صندوق مماثل بقيمة مالية ضخمة.
وأضافت الصحيفة أن الأمر الذي فاجأ الجميع، قيمة الصندوق السيادي التي قد تبلغ ألفي مليار دولار، ما يمثل ضعف قيمة الصندوق السيادي النرويجي الذي يُعتبر اليوم أضخم صندوق سيادي بقيمة 850 مليار دولار.
وتراهن السعودية لتحقيق هذا المشروع الطموح على مواردها النفطية، وتحديداً على أسهم شركة «أرامكو» النفطية، إذ إن بيع جزء صغير من هذه الشركة يمكن أن يوفر للمملكة موارد كافية لشراء أكبر أربع شركات حول العالم مثل «غوغل، ومايكروسوفت، وآبل، وبيركشاير هاثواي».
وذكرت الصحيفة أن الأمير محمد بن سلمان أكد خلال حوار مع قناة «العربية»، أن الصندوق السيادي الذي تطمح المملكة لإنشائه سيسيطر على 10 في المئة من الاستثمارات العالمية، وأن حجم أصوله يعادل 3 في المئة من الأصول المتداولة. وأضاف أنه لن يكون هناك استثمار، أو تنمية في منطقة ما دون تصويت الصندوق السيادي السعودي عليها.
وأضافت الصحيفة أن السعودية تعتمد بنسبة 90 في المئة من مواردها على عائدات النفط، وقد وضعتها أزمة سوق النفط العالمي المتواصلة منذ سنة 2014، أمام حتمية تغيير سياستها النفطية، والتفكير في مرحلة ما بعد البترول.
وكشف بن سلمان في حديث سابق مع شبكة «بلومبرغ» خلال آذار الماضي، أن قلقاً تمَلَّكَ المملكة بعدما أصبح الاقتصاد السعودي يعتمد أكثر من أيّ وقت مضى على الاحتياطات النقدية مع استمرار الأزمة النفطية، وهو ما تجاوز التوقعات الاقتصادية التي رسمها المسؤولون في المملكة.
وذكر محمد الشيخ، المستشار المالي للأمير محمد بن سلمان، أنّ خزينة المملكة السعودية قد تصبح خاوية خلال سنتين، إذا ما استمرت السعودية بنفقاتها الشهرية بمعدّلات نيسان الماضي نفسها.
وأضافت الصحيفة أن الأمير محمد بن سلمان، الذي يلقبه الدبلوماسيون في الغرب بـ«الرجل الذي يعرف كلّ شيء»، قام بخفض ميزانية الدولة بنسبة 25 في المئة، عن طريق اتخاذ إجراءات تقشفية، وفرض رقابة صارمة على عملية الاقتراض، وتخفيض دعم الماء والكهرباء والبنزين.
وذكرت الصحيفة أن أهم إجراء اتخذته السعودية ضمن سياستها التي تهدف لتوسيع نفوذها الاقتصادي، يتمثل في بيع 5 في المئة من أسهم شركة «أرامكو» النفطية عن طريق الاكتتاب العمومي في البورصة. وتسعى المملكة من خلال هذه الخطوة الجريئة إلى توفير تمويلات كافية لإنشاء الصندوق السيادي الضخم، عن طريق التخلّي عن جزء من شركة تحتكر ثاني احتياطي عالمي للنفط بعد فنزويلا.
وأضافت الصحيفة أن السعودية تسعى إلى توسيع نفوذها الاقتصادي في السوق العالمية، لكن الخبراء يتوقعون أن هذه الإستراتيجية لن تسمح لها بالهيمنة على السوق العالمية في وقت قصير لأن عملية الانتقال الاقتصادي يجب أن تتبع خطّاً زمنيّاً واضحاً وتدريجيّاً.
وذكر مدير شركة «جيو إيكونوميكا» المتخصصة في دراسة المخاطر السياسية والاقتصادية، سفين بهرندت، أن بيع 5 في المئة من أسهم شركة «أرامكو» لن يكون كافياً لتوفير الموارد المالية التي تحتاج إليها السعودية لإنشاء الصندوق السيادي الضخم. وأضاف أنه «لو فرضنا أن القيمة الإجمالية لشركة أرامكو تبلغ ألفي مليار دولار، فإن بيع 5 في المئة من قيمة الشركة لن يوفر سوى 100 مليار دولار من الموارد التي تحتاج إليها المملكة».
وذكرت الصحيفة أن السعودية بحاجة إلى تعبئة مواردها المالية بهدف توفير التمويلات الكافية للصندوق السيادي الضخم، لكن مواردها الذاتية تبقى محدودة نسبيّاً، حتى بعد خصخصة بعض المنشآت العمومية، مثل المطارات والمراكز الصحية، ولذلك قد تعتمد المملكة على استقطاب التمويلات الأجنبية من خلال شراء أصول القطاعات غير النفطية.
ونقلت الصحيفة عن سباستيان هينين، المسؤول في بنك «ذا ناشيونال إنفستور»، أن السعودية تتجه نحو سياسة تقوم على إدارة المحافظ الاستثمارية التقليدية، لكنها قد تقع في الأخطاء نفسها التي وقعت فيها قطر حينما استثمرت في شركتَيْ «جلنكور» و«فولكسفاغن»، فهذه السياسة الاقتصادية قد كلفتها كثيراً.
وفي الختام، قالت الصحيفة إن السعودية تراهن على مشروعها الاقتصادي الذي يهدف إلى تعزيز نفوذها الاقتصادي على المساهمات الأجنبية، لكنها سياسة موقتة، ستتخلى عنها المملكة تدريجيّاً لتراهن مجدّداً على مواردها الذاتية فقط.