عن الهدنة وموقف روسيا منها
حميدي العبدالله
ليس خافياً على أحد أنّ ثمة انتقادات مبطنة يوجهها كثيرون إلى جهود روسيا للعمل على تثبيت الهدنة، رغم اتضاح خرقها، ولا سيما من قبل الجماعات المسلحة التي كانت قد قطعت عهداً لروسيا، عبر الولايات المتحدة، للالتزام بها.
إصرار موسكو على التمسك بالهدنة دفع كثيراً من المحللين والمتابعين للتشكيك بصلابة وقوف روسيا إلى جانب سورية وتغليب مصالحها وعلاقتها مع الولايات المتحدة على احتياجات الدولة والشعب السوري في مواجهة الإرهاب، بل يحلو للبعض أن يصوّر الهدنة وكأنها مفروضة على الدولة السورية بقوة التلويح بتعليق مشاركة روسيا في الحرب على الإرهاب. بمعزل عما إذا كانت سورية راضية أو راغبة بالهدنة أو لا، وبمعزل عما هو عليه مستوى التنسيق بين الدولة والسورية والدولة الروسية حول الهدنة، إلا أنّ الثابت والأكيد هو أنّ هذه الهدنة تصبّ في مصلحة الدولة السورية وليس العكس، والشاهد على ذلك الكثير من الأدلة التي تؤكد صواب ما ذهبت إليه موسكو على هذا الصعيد، سواء برضا الدولة السورية وحماسها أو بسبب التسليم باختيار التجربة الروسية على صعيد الهدن. الشواهد على صواب جنوح روسيا نحو التهدئة وفق الأسس التي تتمسك بها موسكو وتقييدها خطوطاً حمراء كثيرة، ولكن أبرزها شاهدان لا يمكن دحضهما من قبل أكثر المغالين في توجيه الانتقاد إلى الهدنة، وبالتالي إلى سلوك روسيا على هذا الصعيد.
ـ الشاهد الأول، أنّ من خرق الهدنة هو الجماعات المسلحة المدعومة من الولايات المتحدة ودول المنطقة المشاركة في الحرب على سورية، فلو كانت الهدنة في مصلحة هذه الجماعات المسلحة والدول الداعمة لها، فلماذا تلجأ إلى خرقها؟ قد يقول قائل إنّ الهدنة تجمّد سعي الجيش السوري إلى الحسم في مواجهة الجماعات المسلحة، في حين تتيح لها الفرصة لتنظيم صفوفها واستجماع قواها لاستئناف القتال. لكن الصحيح أنّ مثل هذه الفرص التي تنطوي عليها الهدنة هي قابلة لاستخدام من قبل كلا الطرفين، الجيش السوري وحلفاؤه، والجماعات المسلحة وداعموها.
ـ الشاهد الثاني، أنه في ظلّ الهدنة، وكثمرة حصرية لها جرى تحرير تدمر والقريتين، لا سيما في الأيام الأولى قبل صدور أوامر خرقها من قبل الولايات المتحدة وحلفائها لتشتيت قوات الجيش السوري وحلفائه ومنعهم من مواصلة الزحف باتجاه محافظتي الرقة ودير الزور، بل أكثر من ذلك في مواجهة التقدّم الذي حققته الجماعات بقيادة «القاعدة» في خان طومان والعيس الذي تتحمّل مسؤوليته الجهات التي لم تحصّن مواقعها على النحو المطلوب، تمكن الجيش السوري من تحقيق تقدّم ملموس في الغوطة الشرقية، على الرغم من الهدنة، على حساب الجماعات المسلحة، وحتى في ريف اللاذقية ردّ على الخروقات وحصّن بعض مواقعه.
إذن، الهدنة لم تكن شراً مطلقاً على الجيش السوري وحلفائه، بل مكّنته من تحقيق انتصارات على جبهات استراتيجية مثل تدمر والغوطة.