التسوية الممكنة
ناصر قنديل
الكلام عن الربط بين عودة الرئيس سعد الحريري ومشروع تسوية، يبدأ من اعتبار التسوية تنطلق بحضور الحريري لتحصين الداخل اللبناني وخصوصاً الشارع الحريري بوجه التطرف بمكوناته وتشكيلاته، التي غزت الحريرية إلى درجة الإحتلال والاستعمال، وتنتهي التسوية بانتخاب رئيس جمهورية جديد مع حكومة جديدة يترأسها الحريري وتشرف على انتخابات نيابية تعكس مناخات التسوية.
هذا الكلام لا ينفصل عن التأشير لتسوية أكبر وراءه أزالت التحفظات على وجود الحريري في لبنان، ومصدر هذه التحفظات السعي لتشويه صورة حزب الله بتصويره مصدراً لتهديد حياة الحريري، أو أنها رسالة سعودية قيل أنها نصيحة وجهت للحريري للمغادرة لأنه مستهدف، ووظيفتها القول للخصوم قلعوا أشواككم مع التطرف الذي سيخلف الحريري الذي لم يعجبكم وأخرجتموه من الحكومة، فهذا التطرف سيذيقكم ما تفهمون ويفهم عليكم لتترحموا على أيام الحريري، لكن الحريري يعود من دون أن يترحم أحد على أيامه بعدما بدا أن التطرف ينمو في عقر داره، ولا تشوهت صورة حزب الله لأن أحداً لم يصدق حكاية التهديد، خصوصاً بعد العودة، المهم أن الرسالة المعاكسة التي تحملها العودة، وهي طبعاً غير العودة التي وعد بها الحريري مناصريه قبل ثلاث سنوات عبر مطار دمشق الدولي، لتقول إنّ الحريري يعود ليحجز مقعد السعودية في الحرب على الإرهاب في المنطقة حيث تملك السعودية المشاركة على عكس حالتي سورية والعراق، حيث معقدها الوحيد هو الإرهاب، وفي لبنان تحجز السعودية مقعدها الحريري لتشارك على طريقتها في الحرب على الإرهاب، بالمال واسترداد أبناء الطائفة الذين استهوتهم النصرة وداعش والقاعدة من صفوف المستقبل ومريديه.
يعود الحريري، ليمسك تياره ويحفظ زعامته التي يتنازعها الورثة وهو حي، فهو يعرف أن طموحات الرئيس فؤاد السنيورة للنيل من شجاعته تهدف لوراثته بالقول: سعد ليس رجل مواجهات فليبق في الخارج ونحن نتدبر الأمر هنا، كما سواه من الذين يحلمون ويقدمون أوراق اعتمادهم كرموز حوار أو مواجهة، وما لم يعد الحريري فلن يجد فرصة للعودة التي يمكن له فيها فعل شيء، لذلك جاءت العودة محملة بالمليار دولار السعودي تحت عنوان مواجهة الإرهاب، ودعم الجيش والأجهزة اللبنانية فرصة لا تعوّض، هذا علماً أنها على الأرجح عكس ذلك، قرار سعودي نفذه الحريري بعد تزويده بعدة العودة وهي المليار دولار ليعيد تنظيم بنية شبكته السياسية والإعلامية والأمنية بالمال السعودي المخصص لمكافحة الإرهاب.
منطق الأشياء يقول إن الحريري سواء عاد وفقاً لمضمون تسوية أنجزت، أو للتهيؤ للمشاركة بتسوية تنضج ظروفها، أو للإعداد لتسوية تحتاج مناخاً مناسباً كي تولد، فإن المهم هو أن على الحريري أن يقرر هل هو في زيارة لترتيب إنفاق المليار دولار وفقاً لدفتر الشروط السعودي المعادي لسورية وحزب الله، أم هي عودة ؟ والعودة تحتاج لأن تكون على صلة ما بالتسوية كي لا تتحول إلى مجرد زيارة، ولا يعود المهم ما إذا كانت التسوية منجزة أو قيد الإنجاز أو واجبة التحقق، ولكن للتسوية شروطاً كي تتحول من مجرد رغبة أو حلم إلى واقع، وتصير شروط حياة التسوية هي شروط أن تكون زيارة الحريري عودة وليست مجرد زيارة.
من ضمن التسوية سيتحقق للحريري كل ما يرسم لزيارته من أهداف، لزعامته المتهالكة من عافية، ولشارعه من إعتدال، وللبلد من حكومة ورئيس وبرلمان، لكن شروط التسوية تقوم على أحد عاملين تحييد السعودية لضمان استقرار لبنان عن مشاريعها التسووية والصدامية مع إيران وسورية خارج لبنان، او اتخاذ لبنان نقطة إنطلاق أو نهاية في التسويات معهما، في كل الأحوال تعني التسوية تفاهماً مع حزب الله وبالتالي سحباً لخطاب النقاش حول مشاركته في معارك الداخل السوري من التداول، وتعني قبولاً للتنسيق العسكري والأمني بين الدولتين السورية واللبنانية، لا بل أن يقود لبنان مسعى إقليمياً لجمع الدول المنخرطة في الحرب على الإرهاب من السعودية وسورية ومعهما العراق ولبنان ومصر.
تبدو علاقة عودة الحريري بالتسوية بالقدر الذي يبدو فيه التراجع عن الخطاب القائم على ثنائية لا للإرهاب ولا لحزب الله، لتصير معادلته: سنعلق كل خلاف داخلي للوقوف معاً ضدّ الإرهاب ومعاً خلف الجيش، وخطاب الحريري القادم سيخبرنا بالجواب، عما إذا كانت عودة الحريري تصعيداً له حسابات خاصة لكنها تستدعي المزايدة بالتطرف، أم هي عودة من ضمن برنامج تسوية نضجت أو قيد النضوج أو يتوقع لها أن تنضج.