قالت له
قالت له: أيمكن أن يكون هناك حبّ كاذب، كما هناك حمل كاذب؟
فقال لها: الشبه بين الحمل والحبّ وارد. فكلاهما يُعرف بأعراضه، وكلاهما يكشفه الزمن. ولكن الفوارق بينهما كثيرة. فالحمل الكاذب أساسه حالة نفسية من قلق أو رغبة. بينما الحبّ الكاذب أساسه اختلاطٌ بقياس الأعراض بين الحبّ والإعجاب، أو الحبّ والاحترام، أو الحبّ والحاجة. ولا يكشف الزمن صدق الحالة بزمن محدّد، بل بزمن الحالة وزوال أسبابها. فحبّ المصلحة والحاجة كاذب يحيا ما دامت حيّة. وحبّ الاحترام يبقى ما بقي، ولذلك لا يكشف الحبّ الكاذب إلا اصطدام بعقبة تضعه أمام امتحان أو ظهور الحبّ الحقيقي، أو حبّ كاذب آخر أعلى مرتبة. وأحياناً يبقى الحبّ الكاذب حيّاً لأنّ الاختلاط في الأسباب لم يتوقف بفعل الزمن، بل ربما مع الزمن يصير حبّاً حقيقياً، أو يصير أجمل من حبّ أفقده الزمن بعضاً كثيراً من حرارته.
فقالت: أليست الغيرة مقياساً بين الحبّ الحقيقي والحبّ الكاذب، فتكون هي جنين الحبّ بغيابها يصير كاذباً؟
فقال لها: الغيرة شيء لا يرتبط إلا ظاهراً بالحبّ، والاصرار على ربطه كعلامة استقواء للغيرة بقوّة الحبّ لاكتساب بعض من مشروعيته، لتصير لها شرعية. لأن الغيرة بعض من رغبة تملّك، وبعض من دفاع عن النفس في وجه سؤال هل لآخر أو لأخرى التفوّق على ما عندي، حتى تتبدل وجهة اهتمام الحبيب أو الحبيبة؟
فقالت: وهل يضير الحبّ إن قلنا إنه تملّك ودفاع عن النفس ما دامت الغيرة كذلك؟ ألا نحب لنملك ولأننا بالحبّ أقوى؟
فقال: الحبّ فعل مجانيّ بلا مقابل، حتى التبادل ليس شرطه. فنحن نحبّ ولا ننتظر ولا نطلب. وعندما نعاتب نفعل ذلك لنفتح عين الحبيب ليقارن ويعلم كم نحتمل ولا يحتمل، وكم نهتم ولا يهتم.
فقالت: وإن تساوى الحبيبان في الغيرة أو المجانية، ألا يصير الحبّ ناراً لا تحتمَل، أو صقيعاً لا يطاق؟
فصمت قليلاً ثمّ قال: ربما بهذه ربحت الجولة، وصارت لك حجّة لما أنت وتفسير لما أنا.
فقالت: إذاً، هات هاتفك لأرى!
فتبسّم، ودسّ هاتفه في جيبه، ومضيا يشبكان الأيدي ويبستمان.