حذار من «أشعريّ» جديد…!
محمد صادق الحسيني
الآن وقد هدأ هدير المجنزرات والدبابات والطائرات «الإسرائيلية» في ربوع غزة الحبيبة، وعاد جند العدو الصهيوني منكسرين أذلاء مطأطئي الرؤوس الى الداخل الفلسطيني يبحثون عن إنجاز لهم في أروقة السياسة…!
نقول لكلّ من تابع وراقب أو ساهم في تشكيل صورة الفلسطيني المقاوم البطل حقاً أمام آلة دمار العدو التي أرادت سحق إرادة الغزيين بخاصة والفلسطينيين بعامة ومن بوابة مقولة المقاومة تحديداً، لقد انتصر داوود المقاوم الفلسطيني العربي والمسلم على جالوت اليهودي الصهيوني الأميركي المعتدي على أرض المعركة وفي الميدان بامتياز. ومن لا يريد تصديق ذلك فليحسب معي بالنقاط:
أولاً: انطلقت شرارة العدوان تنكيلاً وقمعاً ومطاردة على أهلنا في الخليل والضفة بذريعة البحث عن مختطفي المستعمرين الثلاثة، وعادت بخفيْ حنين ومزيد من الفشل والحيرة والاضطراب.
ثانياً: عندما توسّعت شرارة العدوان لتشمل غزة هاشم بكلّ ما تعنيه غزة من مقاومة شعبية وصاروخية ووحدة فصائلية فلسطينية وقرار سياسي مصمّم على أن يكون له فصل الكلام في الحرب والسلام، تخرج «إسرائيل» اليوم بكلّ آلتها الجهنمية وجنودها المنهارين منكسرة خاضعة ذليلة مطأطأة للرأس، تجرّ أذيال الخيبة ومرارة الفشل الذريع، خالية الوفاض من اي إنجاز عسكري يذكر.
ثالثاً: كلّ بنك الأهداف الصهيوني المعلن أو الخفي منه ذهب مع الريح أمام إدارة موفقة وناجحة بامتياز من جانب المقاومة، فلا مواقع إطلاق الصواريخ قصفت ولا مخزونها نفد ونحن الذين أطلقنا الطلقة والصاروخ الأخير رغم أنف العدو.
رابعاً: لا معركة كشف أو تدمير شبكة الأنفاق السرية الهادفة إلى الالتفاف على معسكرات العدو استطاعت أن تحقق أيّ إنجاز يذكر، حتى لو كشف أو هدم نفق هنا أو هناك، فاليد والعقل اللذان أنجزا هنا هما ذاتهما اللذان أوصلا تقنية المعركة الصاروخية الى ما وصلت إليه، ولا يزالان في أوج عنفوانهما وسيبنيان مزيداً من الأنفاق وينتجان ويصنعان وينقلان مزيداً من الصواريخ لغزة هاشم.
خامساً: رغم جميع محاولات العدو وربعه وأذنابه ومرتزقته العلنيين والسريين في صالونات السياسة المحلية والإقليمية والدولية، فإنّ هذا العدو لم يستطع أن يحدث شرخاً واحداً ملحوظاً أو مميّزاً داخل الجسم الفلسطيني، رغم بعض مظاهر الرخو والضعف والهوان لدى البعض القليل من سكان القصور وطاعنينا بالخناجر في الظهور، تمكن القادة المقاومون الفلسطينيون الكبار وحماتهم من جنرالات قادة انتصارات تموز اللبناني السوري الإيراني العظيم أن يطردوا كلّ الغبش والغش والزيف وتجار الدم أو السيف من المشهد العام تماماً، حتى اللحظة التي بان فيها العدو عارياً أمام حقائق الانتصار.
الآن، وقد بدأت مرحلة المعركة الديبلوماسية والسياسية المتشابكة والعسيرة والمعقدة والمتداخلة الإرادات بشكل عجيب فإنّ رحاها يدور في الواقع حول أمرين:
1 ـ كيفية إخضاع العدو ومن يعمل معه في العلن أو الخفاء بدفع ضريبة هذا العدوان على جميع المستويات ومن دون استثناء، أي من الاستحقاق المادي المباشر الذي يعني المباشرة فوراً الى فك الحصار الكامل عن غزة وإطلاق سراح الأسرى والمعتقلين وفتح جميع طرق الإعمار الناجز للغزيين ليصبحوا جزءاً لا يتجزأ من الكلّ الفلسطيني الذي من حقه أن تكون له موانئه المائية والجوية والبرية، وصولاً الى الملاحقة القانونية والسياسية والمعنوية لمجرمي الحرب الصهاينة وأذنابهم وجميع المتورّطين معهم ودفع التعويضات الكاملة لأهلنا الفسطينيين من قبل الخاسر في هذا العدوان الظالم والجائر وهم الصهاينة «الإسرائيليون» والأميركيون وحلفاؤهم الغربيون والرجعية العربية والإقليمية الخانعة.
2 ـ كيفية منع المتخاذلين والمتواطئين وقادة العدوان الخاسرين الحرب والمنهزمين في ساحات الوغى من تحويل هذا الانتصار من جولة في إطار حرب تحريرية فلسطينية عربية إسلامية بامتياز، الى حرب تحريكية رجعية محلية وإقليمية ودولية تريد استثمار هذا النصر وتوظيفه عبر تحويل غزة إلى سنغافورة أو هونغ كونغ فلسطينية مسخ ومشوهة تحت أي عنوان مهما بدا جذاباً أو مجمّلاً في الظاهر.
وعليه لا بدّ من قراءة العنوان «الإسرائيلي» لمعركته الراهنة بعد انكساره المذلّ في الميدان جيداً:
الترميم مقابل التجريد!
أي، يا عرب الخليج وتركيا وأمم متحدة غربية وكلّ متأمر عمل معي في العدوان وخسر المعركة معي بالشراكة المباشرة أو غير المباشرة: إذا أردتم تعويض خسارة الميدان في أروقة السياسة، عليكم بإنجاز ما لم نستطع إنجازه لكم في الميدان، أيّ نزع سلاح المقاومة، وبعد ذلك امنحوا الفلسطينيين ما شئتم!
إنها مراوغة جالوت المرتقبة في أروقة القاهرة بعدما أذلّ على أعتاب غزة وفقد قدرته على الردع، ناهيك عن الحسم، فانتبهوا أيها المفاوضون.
وهذا بيت القصيد من الآن فصاعداً بالنسبة إلينا نحن في محور المقاومة الذين انتصرنا معاً على إرادة معسكر العدو في الصميم.
فإنّ شعارنا في القاهرة يجب أن يبقى هو نفسه، مثلما كنا في غزة:
من يريد نزع سلاحنا ننزع روحه قبل أن تمتدّ يده إليه، وكلمة الفصل في هذا الميدان للقسّاميين وسرايا القدس وكتائب أبو علي مصطفى والأقصى وألوية الناصر وكلّ مقاوم حر شريف.
إنه نصر تموز الفلسطيني الذي لن نسمح لأحد، أي أحد، بالتفريط فيه ولو اضطرنا الأمر إلى إعادة الكرّة من جديد، وإن عدتم عدنا.
أيها المفاوضون في القاهرة ضعوا إلى يمينكم وإلى يساركم دوماً مفاوضين اثنين إضافيين كحدّ أدنى هما يحيى عياش وأحمد طوالبة، وخلفكم قائد الانتصارين الحاج رضوان عماد مغنية. إن العهد كان مسؤولاً.
المعركة التحريرية الممهدة للمنازلة الكبرى بدأت لتوّها.
ما زلنا في أول الطريق، فلا تهنوا ولا تحزنوا فأنتم الأعلون.
ولا يثبطنكم أحد أي أحد بحجم الدمار الهائل ولا بأرقام الشهداء والجرحى الكبير جداً والعزيز جداً.
فما تهدّم يمكن أن يأتي أجمل منه بكثير.
ومن ذهب من أعزائنا وأحبائنا من الشهداء كانوا سيذهبون الى آجالهم إن لم يكن بالسيف فبغيره، وها الله قد اصطفاهم من بيننا كأفضل خلقه وأصفاهم وأرقاهم وأنقاهم… شهداء عند ربهم يرزقون…
أما الجرحى فهم أصحاب الأيدي التي ستبني وتعمّر بعد الشفاء العاجل إن شاء الله تعالى.
بسم الله الرحمن الرحيم:
«ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فانهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون وكان الله عليما حكيماً». النساء، الآية 104 .
أدري أنّ ورقة المطالب الفلسطينية قوية وأعرف أن ثمة مقاومين أشداء بين المفاوضين، وأعرف أننا سننتصر في النهاية وسننزع «الإسرائيلي» روحه.
لكن مع ذلك، الآن الآن بالذات، أخاف من أبي موسى أشعري يخرج من بين كواليس مفاوضات القاهرة ليقول: وأنا أخلع صاحبي!
ثمة قلق جدي من أن تتحوّل مفاوضات القاهرة من ميدان مبارزة وقتال حقيقي لانتزاع حصاد النصر الميداني مظهّراً بأجلى صوره في السياسة.
الى ميدان بيع وشراء وتجارة وأخذ وعطاء مع العدو من بوابة مخادعة اسمها «بحث الصراع العربي ـ الإسرائيلي» وليس قضية غزة فحسب!
هذا عنوان قد يكون «جذاباً» لكنه سيخفي وراءه هدفاً خطيراً هو إدخال المقاومين ساحة مفاوضات ثبتت عبثيتها.
من هنا، كان لا بدّ من التحذير من تسلّل «نتن ياهو» الى أروقة مفاوضات القاهرة بعقال «عربي» أو غترة «فلسطينية» مزوّرة أو طربوش عثماني أو قبعة غربية لا فرق!
بعدنا طيّبين… قولوا الله…