الإعلام الغربي: لا ذاكرة عند العرب
عامر نعيم الياس
هو خبر وينتشر كالنار في الهشيم، لا يهم مقدار مواكبته للواقع أو المنطق والحقيقة، لا يهم مدى احترامه لعقل الآخر وثقافته وحضارته، لا يهم حتى توظيف هذا الخبر بما يخدم قضيتنا أو سياساتنا، المهم أن ننشر عن المصدر الغربي الإعلامي المتفوق صاحب الكلام المنزل دوماً وصاحب الصدقية التي تتجاوز أي منطق أو أي عقل. هنا لا يعفى الإعلام الغربي من المسؤولية لكن توجيه الخبر والفئة والشرائح المقصودة به تبقى صاحبة النصيب الأكبر من ذلك الكامن وراء الخبر، يحضر مثال داعش واضحاً لامعاً ساطعاً بما يتجاوز إنجازاته الميدانية وتدحرجه الجامح على أراض سورية والعراق واليوم في لبنان، بداية القصة كانت من سورية وليس العراق فـ»تنظيم داعش خلقه النظام السوري»، آلاف الدراسات وتقارير مراكز الأبحاث والمقالات في الصحف الغربية من الأميركية والفرنسية والبريطانية وحملة إعلامية أجمعت على تعويم هذه الفرضية، وبات داعش حديث المسؤولين خصوصاً المعارضين. طرحت الأسئلة لتبرير العمالة وحفلات الجنون: لماذا لا يستهدفها النظام السوري؟ كيف تتمدد بهذه السرعة؟ إذاً هي صنيعة النظام السوري، استمرينا على هذه الحال مدة تتجاوز العام، ومن ثم بدأ دور الرواية الثانية، فعند سقوط الموصل أُرجع عمر التنظيم إلى الاحتلال الأميركي للعراق وبداياته مع تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين وأبو مصعب الزرقاوي، ومن ثم معاناته من تجربة الصحوات وخسارته في عام 2006 لمعركته معها، ما شكّل علامة فارقة في فكر التنظيم الذي بات أكثر دموية واجتذب العديد من المتطوعين مستغلاً أخطاء الحكومة العراقية وغيرها من العوامل، توجيه جديد للإعلام الغربي يخص العراق وحكومته بعد سورية، داعش أصبح بين ليلة وضحاها تنظيماً عضوياً له قاعدة شعبية وشرعية ومالية في العراق وسورية تتجاوز حدود التوقعات، يملك مقومات دولة ويتحرك وفقاً استراتيجية مدروسة بحسب الصحف البريطانية ومراكز الأبحاث الأميركية، هو «القاعدة الجديدة» بحسب «لوفيغارو» الفرنسية. لكن وللأسف لم تتوقف القصة عند هذا الحد، فجأة ومن دون مقدمات وعلى رغم مرور أكثر من شهرين على إطلاق مذكراتها، كشفت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون، أن الإدارة الأميركية هي من «أسست داعش بهدف تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الكبير وتقسيم المنطقة على أساس عرقي ومذهبي» مضيفةً في كتابها «الخيارات الصعبة» أن المخطط كان يرمي إلى «اعتراف أكثر من 112 دولة حول العالم بالدولة الإسلامية لحظة إعلان ولادتها»، هنا تقف الروايات حول داعش فما الذي يجري؟ أين الحلقة المفقودة؟ أليس التناقض الواضح في الخطاب الغربي الإعلامي دليل على استغبائه لرأيه العام قبل الآخرين؟
قد تكون فرضية الطعن بصدقية الإعلام الغربي وحتى المجتمع الغربي قبل مجتمعاتنا صحيحة نوعاً ما، لكن فلترة الأخبار وتوجيهها على فئة دون غيرها وبحدث يحتل الأولوية في حياة فئة أو مجتمع على حساب مجتمع آخر يبقى هو الأساس في إدارة اللعبة الإعلامية، فكيف إذا كانت هذه الفئة مصابة بفقدان الذاكرة في ما يتعلق بكل شيء ما عدا طائفيتها وغرائزها الوحشية؟
هل يحترم الآخر من لا وطن له؟ هل يحترم من يفاخر بوضع صناديقه السيادية خارج حدود بلاده؟
يدرك الغرب جيداً أن السبق وصناعة الخبر تبقى الأساس في توجيه الرأي العام وبناء سياسات النخب حتى، هي الرواية الأولى ومن ثم تترك الأمور تسير بتفاعلاتها سواء الإيجابية والسلبية إلى ما لانهاية حتى يأتي دور الرواية الجديدة والخبر الجديد ونبدأ اللهاث كالعادة، بانتظار صناعة الخبر، سنستمر في الجدال حول سؤال من أسس داعش، في الوقت الذي يبيع هذا الأخير السبايا في سوق النخاسة اللا محدود.
كاتب سوري