فيلتمان يعود إلى لبنان…؟
روزانا رمّال
تطرح أكاديميات ومعاهد دراسات دولية وإقليمية مسألة حيادية الأمم المتحدة في أكثر من مناسبة بعضها يأتي على شكل أبحاث يجريها طلاب في معرض سعيهم انجاز رسالة الدكتوراه فتقدم صيغ تحاول حسم الجدل حول موضوعيتها وعن كونها الصيغة الأمثل التي توحّد العالم بإطار قانوني إلا أن التوصل إلى إجماع ضمن هذا الإطار فشل.
تتأثر منطقة الشرق الأوسط بشكل او بآخر بأغلب القرارات الصادرة عن المنظمة. فهذه المنطقة تمثل «قلب العالم السياسي» ويحظى لبنان باهتمام كبير لوقوعه في منطقة اشتباك مع العدو «الإسرائيلي» كما كان مطروحاً منذ ما بعد عام 1978، حيث عايش مراحل عديدة من ظلال القرارات الدولية وتنفيذها، أبرزها 425 و1701 المتعلقة بالصراع مع «إسرائيل»، إلا أنّ هذا لم ينحصر بالصراع مع العدو بل تعدّاه ليشمل قرارات صدرت بعد اختلاق «خصم جديد» للبنان أو «منتهك» جديد لسيادته بالمعنى الأدق وافقت عليه القوى الدولية فتمثل بتقديم القرار 1559 إلى اللبنانيين الذي ركز بشكل بارز على «الوجود السوري» في لبنان أي انه تم تكريس سورية «عدواً» للبنان يتوجب عليه احترام سيادته من ثم تم التطرق إلى سحب سلاح الميليشيات الذي يحضر بشكل كثيف بذهن اللبنانيين وقد تمّ تكليف المبعوث الأممي تيري رود لارسن بمهمة تنفيذ القرار حتى تلاشت قدرة الأمم المتحدة على الضغط الداخلي لغياب الحجة أو الظرف المناسبين وربما الإيعاز الدولي بذلك، وهذا الهاجس يعود اليوم ويُطلّ بظلاله على الداخل اللبناني فيرسم تساؤلات عديدة.
ماذا يعني أن يتمّ تقديم استقالة المبعوث الأممي تيري رود لارسن في جلسة مغلقة لمجلس الأمن المعني بمراقبة القرار وهو ما عُرف بـ«ناظر القرار 1559» وإناطة المهمة باقتراح منه بجيفري فيلتمان سفير واشنطن السابق في بيروت؟
يتحدّث المعنيون بتنفيذ القرار، خصوصاً المنتمين لفريق سورية وحزب الله في لبنان عن تاريخ حافل بالعلاقة الجيدة بين لارسن والمنتديات الصهيونية والمسؤولين «الإسرائيليين» في واشنطن والعالم ويتحدثون أيضاً عن قلق بالغ من مهمته منذ صدور القرار وبالفعل كان له مفاعيل واضحة داخلية.
يقول لارسن لأعضاء مجلس الأمن بالجلسة المغلقة، حسب ما تناقلتها المصادر الصحافية التالي «منذ إصدار القرار في أيلول 2004، تحقق الكثير. في نيسان 2005، سحبت سورية جنودها وأصولها العسكرية من لبنان على أساس إجراءات أمنية توسّطت فيها الأمم المتحدة في إطار عمل القرار 1559. وتلا ذلك إقامة علاقات ديبلوماسية كاملة بين البلدين في عام 2009. وأجريت انتخابات رئاسية ونيابية حرة ونزيهة في عامي 2008 و2009 على التوالي»، مضيفاً أن «هذه الأحداث التاريخية تبرهن الأثر المهم والإيجابي للقرار 1559 على الاستقلال السياسي للبنان وسيادته».
يشرح لارسن بهذا الإطار أهمية ما حققه القرار الذي استطاع حرف العلاقة اللبنانية السورية المميّزة عن مسارها وكيف غيّر مزاج بعض الداخل من حتمية الشراكة معها أي أنّ وحدة «المسار والمصير» التي كانت مطروحة لعقود لم تعُد مقنعة لجزء عانى من الوجود السوري، وهنا مهّدت الأمم المتحدة لفصل الحدث السوري عن اللبناني وأفرزت مجلساً نيابياً ورئيساً توافقياً ميشال سليمان – افتتح العصر الجديد من «المتغيّر السياسي» الحاصل مع سورية مطلقاً حملة «النأي بالنفس» عن الأحداث هناك محققاً ما استدرجته إليه القرارات الدولية.
يقول لارسن إنّ هناك أموراً أخرى لم تنجز في القرار، بل أن الفشل في تنفيذها يمكن أن يقوّض أيضاً التقدّم نحو حل مسألة الفراغ الرئاسي وتأثيره السلبي على قدرة لبنان على اتخاذ قرارات مهمة، ويشدّد على أن أبرز البنود العالقة في القرار 1559 هي «نزع السلاح وتسريح الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية» التي وسّعت نشاطاتها، مؤكداً أنها «تمثل التهديد الأكبر والأخطر لسيادة لبنان واستقراره واستقلاله السياسي».
كلام واضح ومنقول بشكل دقيق عن الممثل الأممي المستقيل يطرح فيه أمرين أساسيين الأول مسألة سلاح حزب الله الممتد أي الموجود اليوم في سورية، والأمر الآخر مسألة السعي لتدويل الرئاسة اللبنانية وقد خُصص السفير فيلتمان العارف بزواريب السياسة اللبنانية لهذه المهمة والمعروف بصداقاته مع زعماء نافذين في البلاد، إدارة مباشرة للولايات المتحدة الاميريكية اليوم تؤكد استهدافها لحزب الله ومتابعتها لمسألة تقويضه بشكل «شخصي»، فعودة فيلتمان إلى لبنان من بوابة حزب الله مجدداً، وبعد اغتيال القائد بدر الدين تعني قراراً أميركياً بالضغط على حزب الله من الداخل بعد فشل ذلك خارجيا في سورية تحديداً. وهذا يفتح الاحتمالات كلها في البلاد.
فيلتمان الذي خصص 500 مليون دولار لتشويه صورة حزب الله عندما كان سفيراً في بيروت يعود اليوم ضمن العنوان نفسه في مهمة ساعدته عليها السعودية سلفاً فقد قطعت معه نحو نصف الطريق في تصنيف الحزب إرهاباً في المحافل العربية والإسلامية.
استقدام خبير بالشأن اللبناني مثل فيلتمان لإدارة المرحلة المقبلة في لبنان بعدما تخلص من صفته الديبلوماسية واستبدلها بالصفة الأممية التي تشكل غطاء خطيراً يسهل مهمته و«يلطفها» فتصبح اكثر مقبولية، يشير إلى ان قرار الحرب الشاملة على حزب الله هو قرار أميركي صريح من جهة، ومن جهة اخرى يؤكد على اعتبارها مفصلية تشرحها خطوات أميركية مالية وأمنية واستخبارية مباشرة ضد الحزب.
عودة فيلتمان تؤشر إلى سخونة سياسية مقبلة من بوابة تنفيذ القرارات الدولية من المؤكد أن حزب الله سيسعى إلى تجنيب النجاح في تحويلها استثماراً أمنياً قدر الإمكان، فهل يقدر على ذلك؟