اغتيال بدر الدين: القدرة الردعية وتوسيع مروحة الردّ
عامر نعيم الياس
فقد حزب الله في غضون ستة أشهر اثنين من قادته العسكريين في سورية، وسبقهما عماد مغنية في العام 2008، وابنه جهاد قبل عامين من اليوم.
الاختلاف في طريقة تعاطي الحزب مع هذه الحادثة واضح، والأغلب في الأسباب أنها تعود إلى مشترَكَيْن حكماً المعادلة الردعية للحزب في المواجهة مع المحور المضادّ لمحور المقاومة، الأول دمشق، حيث التواجد المحسوس والواضح والعلني للحزب في ما يمكن الاصطلاح عليه «الجناح السوري»، والثاني، آلية الردّ على الاغتيالات التي اتُهمت فيها الدولة العبرية، ما عدا الاغتيال الأخير الذي خضع لحسابات مختلفة على المستوى التعاطي الإعلامي واللوجيستي للحزب المعروف بدقّته في تناول هذا النوع من الحوادث وعدم إغفاله لأيّ تفصيل مهما كان صغيراً.
القدرة الردعية:
طرحت التطورات الأخيرة على الساحة السورية، وفي ملف الاغتيالات تحديداً، العديد من التحديات على قيادة الحزب، وربما لم تكن موجودة في الردّ على اغتيال جهاد مغنية، الذي جاء مدروساً ومتماشياً مع الاستراتيجية العامة للحزب بالردّ الفوري والمدروس على العمليات التي ينفذها الكيان الصهيوني.
في حالة الشهيد سمير القنطار، الذي اغتيل في كانون الأول 2015، لم تكن الأمور كذلك، فالردّ المتوقع لم يأت، وذلك حسب تقييم الرأي العام المرتبط والمتعاطف مع المقاومة اللبنانية، وهو أمر أسفر عن ارتفاع معدّل الاغتيالات في صفوف الكوادر القيادية في حزب الله اللبناني، وأدّى بشكل أو بآخر إلى تقدير موقف يقول بتآكل قدرة ردع الحزب بناءً على مراعاته لمتطلبات المعركة في سورية.
غرف العمليات والدور الأردني:
الشهيد بدر الدين يشكل نقطة تقاطع المخابرات الدولية والإقليمية المنخرطة بشكل مباشر في الصراع على الساحة السورية والتي تنظّم نشاطها في غرف تنسيق وعمليات تتمركز في تركيا والأردن وعلى الحدود مع الجولان السوري المحتلّ، هنا وفي مكان الاغتيال الذي استهدف القائد بدر الدين ترجح كفّة الأردن وغرف العمليات المتواجدة على أرضه، وهذا يضع كلّ من يعادي سورية وخياراتها في قفص الاتهام.
إنّ الاتهام الذي أتى من جانب الحزب غير اعتيادي ويرتّب سلسلة من الاستنتاجات أهمها:
ـ أنّ الحزب وسّع مروحة الاتهام، فما جرى بقصفٍ مدفعي من الغوطة الشرقية، زاد من الغموض ولم يوضّح الصورة، فالتساؤلات حول طبيعة العملية ونوع السلاح المستخدم لا تزال تطرح بكثرة.
ـ توسيع المروحة يعني اتّهام المحور المضادّ لمحور المقاومة بالكامل وهو ما يرتّب غموضاً في طبيعة الردّ الذي من المتوقع أن ينحو باتجاه توسيع مروحة الخيارات والساحات، أو السكوت عنها، بهدف تنشيط لخلايا السرية للحزب الموجودة في غير ساحة على امتداد الإقليم بوجه خاص.
ـ الاتهام لا يحيّد الكيان الصهيوني، بقدر ما يجعل من إلزامية الردّ على تل أبيب أمراً تفصيلياً، فالمشروع والصراع اتخذ منحىً مغايراً، ولعلّ التطورات المتسارعة على جبهة العلاقات «الإسرائيلية» السعودية خير دليل على ما يمكن أن يرتبه الاتهام للمجموعات المسلّحة في سورية من خيارات.
ـ يطرح البعض فرضية افتخار الميليشات الإسلامية في سورية بهذا الإنجاز، وتحديداً «جيش الإسلام» المرتبط مباشرة بالاستخبارات السعودية، وهو ما لم يحدث، بل أُردف ببيان نفي من المرصد السوري المعارض في لندن، لكن الواقع وحجم اللعبة في سورية يعطي استنتاجاً مغايراً، فالاغتيال عملية مرتبة دولياً عبر ذراع محلية في سورية، وهذا يجعل هذه الذراع منضبطة في سياق استراتيجية الغموض الذي تتبعها الأجهزة في هكذا نوع من الاغتيالات. وهنا علينا العودة إلى الوراء والتأكيد على أنّ الكيان الصهيوني لم يعترف حتى اللحظة بمسؤوليته عن اغتيال القائد العسكري السابق في حزب الله الحاج عماد مغنية.
الاختراق:
الحرب التي يخوضها الحزب في سورية جاءت في سياق الدفاع عن ظهير المقاومة الذي بات جزء من أرضه مرتعاً لكامل أجهزة الاستخبارات الدولية والإقليمية، وبات وجهةً لحرب كونية على ما تبقى من خيارات تتمسك بما هو مخالف للاستراتيجية الأميركية الكونية عموماً والإقليمية خصوصاً، وهو ما أدّى إلى وضع حزب الله تحت مجهر التعاون الإقليمي والدولي لمواجهة إيران وحلفائها، والذي يتطلب رفع مستويات التنسيق الاستخباري الإقليمي إلى مستوىً غير مسبوق، الأمر الذي نتجت عنه زيادة حجم الاختراقات الأمنية في صفوف القيادات والكوادر السياسية في حزب الله وجناحه المولج قيادة العمليات في سورية.
ما سبق يشكّل التحدّي الذي يسبق حق الردّ على الاعتداءات والذي يتوجب معالجته، دون أن يعفي ذلك الحزب من الإجابة على الكثير من التساؤلات في صفوف المناصرين له والتي يتوقع أن تأتي واضحة ولا تحتمل التأويل على لسان السيّد نصرالله في إطلالته يوم الجمعة المقبل.
كاتب ومترجم سوري