«ثوّار سورية»… متطرّفون في العراق!
جمال العفلق
هكذا رأت الإدارة الأميركية وعلى لسان سيّد البيت الأبيض باراك أوباما في تصريح له أنه أجاز للقوات الأميركية شنّ غارات جوية ضد المقاتلين المتطرفين في العراق. أولئك المقاتلون المتطرفون هم داعش ذلك التنظيم الذي يمثل الجناح العسكري الحقيقي لما يسمى معارضة سورية، وجرائم هذا التنظيم المصنوع أميركياً والممول عربياً كما جبهة النصرة التي لا تقل تطرّفاً عن داعش.
فلا يمكن عاقلاً أن يغضّ الطرف عن تلك الجرائم المصوّرة بيد منفذيها والمنشورة عبر وسائل الإعلام والتي لم تصل في حينها للبيت الأبيض أو أنه ادّعى بعدم علمه فيها. وبقي مسمى تلك التنظيمات في سورية على أنها فصائل ثورية تقاتل القوات الحكومية، وكذلك الأمر في بداية الأحداث في العراق حاول الإعلام المعادي لشعوب المنطقة تصوير جرائم تلك التنظيمات، خصوصاً داعش على أنها حراك شعبي بمطالب محقة.
فما الذي دفع السيد أوباما لقرع ناقوس الخطر الآن وتقديم مساعدات للعراق وإقليم كردستان اليوم بعد أن امتنع العالم بأسره عن سماع الأصوات التي حذرت مراراً وتكراراً من المتطرفين في المنطقة، وعلى رغم عشرات الرسائل الموجهة للأمم المتحدة ومجلس الأمن من قبل سورية وروسيا وإيران حول دور تلك التنظيمات ومصادر تمويلها؟ إلا أن السياسة الدولية والأميركية بقيت تلتزم الصمت وتكتفي بالتقارير المزوّرة التي تخدم مصالحها.
اليوم جاء القرار الأميركي الذي اكتفى بوصف «المتطرفون في العراق»، ولم يوسّع وصفه ليكونوا المتطرفين في العراق وسورية على رغم أن داعش تعلن عن عملياتها في البلدين إضافةً إلى لبنان، إلا أن الإدارة الأميركية فضّلت إبقاء وصفهم مختصراً على العراق وليس كل العراق بل عندما فكرت داعش بالتمدّد اتجاه إقليم كردستان حيث منابع النفط ومركز الاستثمارات الجديد للشركات الأميركية والغربية.
إن الولايات المتحدة الأميركية ترى أن توسّع «داعش» الإرهابي يمثّل تهديداً لمصالحها المباشرة، خصوصاً النفط، كما إنها ترى ضرورةً في حماية دولة كردستان الحديثة التي تمثل حكومتها الحالية مصالح أميركية و«إسرائيلية» على حدٍّ سواء في المنطقة.
فأن تدعو الولايات المتحدة مجلس الأمن إلى دعم جهود الحكومة العراقية والشعب العراقي من أجل التصدّي لخطر داعش، وتدين بشدّة ممارسات هذا التنظيم التي وصفها السيد أوباما بأنها تنتهك القوانين الإنسانية الدولية واعتبرها جرائم بحقّ الإنسانية، من دون ذكر سورية والجرائم التي ترتكبها داعش وما يتعرّض له الشعب السوري من تنكيل وقتل على يد المتطرفين أنفسهم شيء يدعو إلى السخرية والعجب من وقاحة السياسة الأميركية والغربية اتجاه المنطقة.
وإن كان هذا التصريح بحدّ ذاته بوادر انفراج في المنطقة ودليلاً على هزيمة الولايات المتحدة التي خطّطت لتدمير المنطقة عبر صناعة تنظيم إرهابي يخدم مصالحها ومصالح «إسرائيل» بإشعال حرب مذهبية وطائفية وقودها شعوب المنطقة وسلاحها أميركي وتمويلها من الأثرياء العرب الذين جمعوا الأموال تحت اسم دعم الثورة في سورية، فاليوم إقرار الولايات المتحدة ببشاعة أعمال هذه التنظيمات لا يمكن أن يبرّر لها دورها المباشر في صناعة هذه التنظيمات وتدريبها وتسهيل تمويلها. ولكنه يثبت أن محور المقاومة كان محقاً في إطلاق وصف منظّمات إرهابية عليها منذ بداية الحرب على سورية، ويثبت مدى غرق السياسة الأميركية الخارجية بازدواجية المعايير وخلط الأوراق حينما تشاء بما يصب في مصالحها ومصالح الصهيونية، التي استشعرت الخوف بعد فشل المرتزقة في توريط الجيش اللبناني واقتطاع جزء من لبنان من أجل الضغط على المقاومة وصناعة حزام إرهابي يمتد من حلب إلى طرابلس.
واليوم يبقى الرهان الحقيقي على شعوب المنطقة، الذين أدركوا منذ زمن دور المجتمع الدولي في محاربتهم. وبقي على بعض حكّام المنطقة الذين وضعوا مقدرات بلادهم في خدمة الأميركي أن يفهموا أن قهر الشعوب لا يمكن أن يستمرّ، وأن محور المقاومة ليس وهماً إنما واقع فرض نفسه بقوّة.
بغداد منتصرة دمشق منتصرة بيروت منتصرة فلسطين منتصرة.