دريان مفتياً للجمهورية: المطلوب مبادرة لمواجهة الفتنة بين المسلمين
في ظلّ انعدام المنافسة الجدّية، وبعد المشاكل الحادّة التي نشبت بين مفتي الجمهورية محمد رشيد قباني وتيار المستقبل، تخللها تبادل اتهامات ودعاوى قضائية وحروب دينية وسياسية، انتهت بتسوية مصرية برعاية سعودية، انتخب رئيس المحاكم الشرعية السنية العليا الشيخ عبد اللطيف دريان مفتياً جديداً للجمهورية خلفاًً لقباني الذي تنتهي ولايته منتصف أيلول المقبل. ونال دريان 61 سنة ، 74 صوتاً من أصل 93 من الهيئة الناخبة الحاضرين وغياب 10 أعضاء. ونال منافس دريان الشيخ أحمد الكردي، تسعة أصوات، في حين وضعت ثماني أوراق بيضاء، وألغيت ورقتان .
وتضمّ الهيئة الناخبة رؤساء الحكومة السابقين الذين حضر منهم رئيس الحكومة تمام سلام والرئيسان فؤاد السنيورة ونجيب ميقاتي، ووزراء ونواباً حاليين من الطائفة السنية، أعضاء المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى والمفتين المحليين العاملين وقضاة الشرع العاملين وقضاة الشرع المتقاعدين وأميني فتوى بيروت وطرابلس والمدير العام للأوقاف الإسلامية.
وألقى سلام في مستهل الجلسة كلمة قال فيها: «في صبيحة يوم الأحد من العاشر من آب، نلتقي ونجتمع موحدين متوافقين على المصلحة العليا لطائفتنا ولوطننا الحبيب لبنان». وأكد «المضي قدماًً في مسيرة تثبيت مرجعيتنا الدينية، في مسيرة تثبيت دار الإفتاء التي مضت عليها عقود وهي تقوم بمهمات ومسؤوليات جسام على مستوى القيادة الدينية الوطنية في طائفتنا، طائفة الاعتدال، طائفة الانفتاح، طائفة الدين الإسلامي الرحب الذي يتفاعل مع كافة مكونات الوطن من طوائف أخرى من أجل المحافظة على لبنان، لبنان الديمقراطي، لبنان الحرية، لبنان السيادة ولبنان الاستقلال». وأضاف: «نحن اليوم نمضي سوياً في انتخاب مفتٍ للجمهورية بهدف ترسيخ وتوطيد دار الفتوى ببعدها المؤسسي الجامع في قيادة الطائفة دينياً وسط ما يشهده الإسلام والمسلمون من حالات ووضعيات شاذّة مؤذية مضرّة لا تمتّ إلى الإسلام والمسلمين في شيء».
المفتي دريان
وبعد إعلان النتيجة، ألقى دريان كلمة قال فيها: «إنّ لكل مبادرة في المجال الديني والوطني مهمة ورسالة وبرنامجاً، وإنني وقد حظيت بدعمكم وثقتكم، كلي تصميم على أن أكون على مستوى الأمانة التي عهدتم لي بها في رعاية الشأن الديني والوقفي والقضائي والخيري، بحسب المراسيم والقوانين والأعراف المرعية، وبما تقتضيه النزاهة، وتقتضيه الشورى». وأكد أن «لا مجال بعد اليوم للانقسام بين المفتي والمجلس الشرعي الإسلامي الأعلى».
ورأى دريان أنّ «مقام مفتي الجمهورية هو مقام مصارحة كما أنّ هذه الدار كانت ولا تزال دار مصالحة، والعلاقات بين الشيعة والسنة داخل الإسلام ليست على ما يرام»، لافتاً إلى أنّ «ما يجري في العراق وسورية ولبنان واليمن وليبيا هول هائل وما نصنعه في أنفسنا يكاد يعجز عن صنعه الإسرائيليون. وأضاف: «لا بدّ من المبادرة لأنّ الخسائر هائلة ولأنّ الفتنة بحسب ما جاء في القرآن الكريم لا تنال من المتورطين فيها فقط. وأعلم أنّ العديد منكم حاول ويحاول، وسوف أتشاور معكم ومع القيادات الدينية اللبنانية والعربية في ما يمكن عمله لمواجهة هذا الشرّ المستطير». وتابع دريان: «إنّ بيننا وبين المسيحيين في الوطن شراكات ووجوه عيش كريم، وقد اختلفنا ونختلف في أمور كثيرة، لكننا ومنذ قرّر القرآن الكريم أنّ النصارى هم الأقرب إلينا، ما اختلفنا على الحقّ في الدين وفي الوطن وفي الحرية وفي الكرامة والعيش المشترك». واعتبر أنّ «تهجير المسيحيين والفئات الأخرى أو اضطهادهم من ضمن ظواهر الطغيان والتطرف والتمييز، والتي ينبغي مكافحتها اليوم قبل الغد». وقال: «إنني لأتوجه إلى الشركاء المسيحيين بمشاعر التضامن والتعاطف وإحقاق الحقّ والقسط، فنحن معاً نستطيع القيام بالكثير انطلاقاً من لبنان، وطن الرسالة والإنسان».
وبعد الانتخابات، زار دريان المفتي قباني في دار الإفتاء، ووعد بعد اللقاء أن يبقى على اتصال دائم مع قباني «لأنه بالفعل بالنسبة إلى مرجعية دينية لا يمكن أن أستغني عنها في العمل، وله باع طويلة بالنسبة لإدارة شؤون المسلمين في تلك المرحلة التي تولى سماحته فيها منصب مفتي الجمهورية».
بدوره، رحب قباني بدريان وهنأه بانتخابه مفتياً للجمهورية .
مأدبة جامعة عند الحريري
و ظهراً أقام الرئيس سعد الحريري مأدبة غداء في منزله لمناسبة انتخاب دريان مفتياً للجمهورية، حضرها الرؤساء سلام والسنيورة وميقاتي، المفتي قباني، المفتي المنتخب، ووزراء ونواب وفتيو المناطق وأعضاء الهيئة الناخبة وشخصيات.
وكان قباني ودريان قد وصلا إلى منزل الحريري في سيارة واحدة، وخلال المأدبة ألقى الحريري كلمة توجه فيها إلى دريان قائلاً: «إنّ الآمال معقودة عليكم، في حماية الوحدة الإسلامية، والتأكيد على خطاب الاعتدال، وفي المحافظة على مكانة دار الفتوى، ودورها التاريخي، كركن أساسي من أركان الوحدة الوطنية اللبنانية، والعيش المشترك بين المسلمين والمسيحيين». وأضاف: «نحن، من مواقعنا السياسية، نتحمل المسؤولية أيضاً، ولن نرضى لقلة من المتطرفين، أن تأخذ الإسلام والمسلمين إلى مواجهة مع باقي الشركاء في الوطن والأمة».
وتلقى دريان سيلاً من الاتصالات المهنئة بانتخابه.
هيئة العلماء: لرفع الوصاية عن دار الإفتاء
وكان قد رافق عملية الانتخاب اعتصام لـ «هيئة العلماء المسلمين» أمام دار الفتوى تحدث فيه عضو الهيئة الشيخ أبو بكر الذهبي الذي أشار إلى أنّ لفيفاً من العلماء المسلمين لبوا الدعوة إلى الاعتصام وشدّدوا على مجموعة ثوابت أهمها «حقّ العلماء في اختيار رئيسهم الديني ورفع الوصاية السياسية عن دار الفتوى، وإثبات عدم وجود إجماع على مرشح واحد».
وقال الذهبي: «كوننا نمثل مجموعة من العلماء المسلمين يحقّ لنا أن نرشح من نريد»، مشدّداً على أنّ «وقفتنا هي للتأكيد على هذه الثوابت التي سنناضل لتثبيتها».
مراد: دريان وعدنا بإصلاحات
من جهته، أعلن النائب السابق الأسبق أنّ «المفتي دريان وعدنا أن يكون هناك إصلاحات جذرية في دار الإفتاء». وتحدث عن الاتصالات التي مهدت للاتفاق على انتخاب مفت جديد، وقال: «أجرينا لقاءات متواصلة واتفقنا على مبادئ معينة وأولها الاتفاق على عدم التمديد لمفتي الجمهورية اللبنانية السابق وأن يكون هناك تواصل بين الفريقين للاتفاق على اسم معين، وتبين أنّ اسم الشيخ دريان هو الأفضل».
وأضاف: «لا يمكن أن نقبل أن نستميل المفتي دريان وعندما نتوافق عليه لدينا كلّ الثقة بأنه على مسافة واحدة من الجميع»، معرباًً عن اعتقاده بأنّ دريان «لديه من قوة الشخصية لمحاولة الجمع وليس التفرقة».
واعتبر أنّ «نظام الأوقاف الحالي هو نظام غير سليم وبالتالي يجب أن يصحح أسلوب الترشيح والقوانين».