متخرّجو المعهد التقاني للفنون التطبيقية في دمشق يرصدون ريع معرضهم لأُسَر الشهداء

لورا محمود

يقول الفنان الروسي إيفان كرامسكوي: «كي تصبح فناناً لا تكفي الموهبة ولا العقل ولا الظروف الملائمة… يجب أن تغمرك السعادة، أن يكون فيك من الحماسة والاندفاع للعمل بالفنّ ما لا يوازيه شيء أسمى من هذه اللذة».

الفنّ الحقيقي هو القادر على إدخال السعادة في نفس الفنان والمتلقي، وهو الذي يملك رسالة سامية هدفها خدمة الإنسان والمجتمع. وهو أيضاً القادر على إيقاظ كل النواحي الايجابية في الإنسان والسموّ به وتغيير حياته نحو الأفضل. فالفنان لا يرسم أو يبدع لإرضاء ذاته وإظهار موهبته فقط، بل هو يقدّم فنّه للمجتمع أيضاً بتقنية وحرفية عالية. هذا الفنان المبدع والحسّاس لا يتوقف عن الشعور بكل ما يصادفه ويراه ويحيط به، الأمر الذي ينعكس في ألوانه وموضوعات لوحاته. وهو أيضاً يواكب ما يجري في محيطه ويتفاعل معه ويحاول المشاركة والمساعدة بما يستطيع، وهذا ما عبّر عنه خرّيجو المعهد التقني للفنون التطبيقية في سورية من خلال مشاركتهم في المعرض الأول لمقتنيات الخرّيجين، الذي أقيم في «خان أسعد باشا» في دمشق القديمة، وسيعود ريع هذا المعرض لأسَر شهداء الجيش العربي السوري.

أبو غنام

ضمّ المعرض مختلف الفنون من الخزف والخطّ العربي والتصوير والفنّ التشكيلي، ورعته وزارة التقافة متمثلةً بمعاون وزير الثقافة بسام أبو غنام الذي أدلى بتصريح إلى «البناء» جاء فيه: «من المهمّ أن نسخّر الفن في خدمة قضايا المجتمع، خصوصاً أن ريع هذا المعرض سيعود لأسَر الشهداء. شهداء سورية لهم الفضل على العالم العربي وعلى العالم أجمع، لأن شهداءنا صمدوا في وجه الإرهاب واستطاعوا أن يغيّروا خريطة العالم. واليوم وجود هذا المعرض في خان أسعد باشا دليل على عراقتنا وتاريخنا. فنحن علّمنا العالم الأبجدية وستبقى الحضارة السورية ما بقي الدهر تدلّ على عراقة السورين عبر التاريخ».

بيطار

بدوره، قال مدير المعهد التقاني للفنون التطبيقية طلال بيطار لـ«البناء»: «إنّ الفنّ موجود وحاضر في المجتمع وهو يخدمه من خلال العمل الإبداعي والرؤية الواقعية لحقيقة ما يجري في هذا المجتمع. الطلاب اليوم أرادوا أن يساهموا بأعمالهم وفنهم في هذه الظروف الصعبة، وهذا يعكس الحالة الثقافية الموجودة عند الطلاب، وأيضاً الرؤية التشكيلية الموجودة في أعمال كل طالب».

وأضاف بيطار أنّ أعمال الطلاب الخرّيجين تتحدث عن نفسها. فالفنانون الشباب المشاركون هم مستقبل الفن التشكيلي في سورية. نحن لا نرى مجرّد أعمال فنية، بل نرى أعمالاً فنية تحمل تقنية عالية وهذا يمنح هذه الأعمال خصوصية وجمالية أيضاً.

ونوّه بيطار إلى ضرورة أن يرى المشاهد هذه الأعمال الفنية ليتعرّف إلى الفنان وأعماله. ولفت إلى أنّ خرّيجينا موجودون على الساحة التشكيلية ويملكون إبداعات فنية كبيرة، ويتجلّى ذلك بعد التخرّج من خلال مشاركاتهم الدائمة في معارض الربيع التي تخصّ الشباب، والمعارض الفردية والجماعية. وهم موجودون كفنانين تشكيليين على الساحتين السورية والدولية.

قدورة

أمّا أستاذ قسم التصوير في المعهد عبد الرحيم قدورة، فأكد أنّ الفنّ وعبر العصور كان يوظَّف لخدمة الإنسان بالدرجة الأولى. فالفنّ يتحدّث عن كل قضايا المجتمع وهناك أنواع عدة من الفنون وكلها وسائل للتعبير. نحن كقسم تصوير اعتمدنا في الصورة على الضوء والظل مع وجود الفكرة والتقنية الفنية العالية وهنا استطعنا أن نوصل أحاسيس معينة يمكنها أن تتلوّن وتكون مشاعر كمشاعر الحزن أو الأمل أو العنفوان وهذه المشاعر أسقطناها على الصورة.

وأضاف قدورة أنّ أعمال الطلاب من خرّيجين حديثين وقدامى هي أعمال مميزة جداً، ولكن كان يجب أن تكون هناك دعاية أفضل للمعرض ليستطيع الجميع الحضور ورؤية الأعمال الفنية.

خضر

وقال أستاذ قسم النحت في المعهد عادل خضر: «دائماً هناك جزء من الفنّ يخدم قضايا المجتمع سواء من حيث نشر الثقافة أو إغناء الذاكرة البصرية لدى المشاهد. وبالنهاية، الفنان يعمل للمشاهد الذي يجب أن يرى أعماله. وهذه عملية تشاركية بين الفنان والمشاهد، ومعهد الفنون يؤهل الطلاب ليصبحوا فنانين. وتاريخ المعهد مهم جداً في هذا المجال، والدليل على ذلك وجود خرّيجين نحاتين وفنانين لهم بصمتهم في الحياة التشكيلية السورية، ولهم بصمتهم في الفن التشكيلي. وأنا أرى أنه من الجميل المزج بين الفن والتاريخ من خلال عرض الأعمال الفنية في مكان تاريخيّ كخان أسعد باشا».

شيخو

الأستاذ جلال شيخو وهو أيضاً مدرّس في المعهد التقاني للفنون التطبيقية تحدّث عن «خان أسعد باشا» قائلاً إنه أحد أهم الخانات الدمشقية العريقة التي تستضيف نشاطات فنية مهمة. «واليوم يستضيف الخان معرضاً لخريجي المعهد التقاني للفنون التطبيقية من غالبية الاقسام الخط العربي والتصوير الضوئي والنحت والخزف وريع الأعمال سيعود لأسَر الشهداء. وهذا بمثابة تضامن مع أسَر الشهداء لنقول إن المحبة واللُحمة الوطنية ما زالتا موجودتين».

ولفت شيخو إلى أن الطلاب والأساتذة كانوا سعداء بهذا المعرض الذي سيستمر لمدة أسبوع، وأضاف أنّ هناك إقبالاً جيداً على المعرض. «ونتمنى أن يكون أكثر في الأيام القادمة. وهذه المبادرة الاولى من المعهد وهي بمثابة كلمة أمل لسورية ولأسَر الشهداء».

فروج

والتقت «البناء» أحد الطلاب الخرّيجين المشاركين في المعرض، وأيضاً أحد المدرّسين فيه الأستاذ خالد فروج، الذي قال: «للفن وظيفة وتأثير من الناحيتين التطبيقية والجمالية، وهو بمختلف اختصاصاته يلعب دوراً في بناء حضارة هذا المجتمع».

وأكد فروج انه نتيجة الأوضاع في سورية والأزمة التي نعيشها، توقفت الحركة الفنية أو النشاط الفني في سورية. «قبل الأزمة كانت الحياة الفنية نشطة وحتى المواد الخام التي كنّا نعمل بها كانت رخيصة ومتوفّرة لمختلف الاختصاصات الفنية، فكان من السهل على الفنان أن يشارك بكمّ من الأعمال بأقلّ التكاليف. ولكن اليوم، ربما يكلّف عمل فنّي واحد ما يعادل معرضاً بكامله».

ولفت فروج إلى أنّ الناس اليوم مشغولون بلقمة عيشهم أكثر من الفنّ، فمن الصعب الترويج للعمل الفني، وللاسف الحصار يلفنا من كل الجهات، فعندما نرجع وننفتح على العالم ويعود العالم للانفتاح على سورية، عندئذ سنكون قادرين على تصدير الفنّ السوري إلى الخارج.

الجدير ذكره أنّ «خان أسعد باشا» يقع في مدينة دمشق القديمة، جنوب شرق الجامع الأموي، وسط سوق البزورية التجاري، وقد بني في عهد والي دمشق العثماني أسعد باشا العظم، واستمر بناؤه من عام 1751 إلى عام 1753. وبعد ست سنوات من بناء الخان وقع الزلزال الشهير الذي أصاب دمشق وعدداً من المدن السورية، وهدم عدداً من المباني الهامة، وسقطت من هذا الخان البديع ثلاث قباب كبيرة.

ويعدّ الخان من أعظم الخانات في الشرق، وقد استملكته في بداية الثمانينات من القرن الماضي المديرية العامة للآثار والمتاحف التي قامت بترميمه.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى