بلال: مفاوضات جنيف لمنع اشتباك إقليمي دولي وسيرسم الشكل الدولي للمنطقة

حاوره سعد الله الخليل

أكّد الكاتب السياسي مازن بلال أنّ ما حدث في فيينا بإبلاغ المجتمعين بالتوافقات الروسية ـ الأميركية ومحاولة تدوير الزوايا مع المشتركين مثل السعودية وتركيا هدفه الوصول إلى تفاهم إقليمي ودولي، وعادة ما تكون اجتماعات فيينا لإصدار بيان تأكيد على الموقف الروسي والأميركي والذهاب به نحو خطوات إجرائيّة كما حدث في فيينا 1 وفيينا 2، وتوقّع في حوار مشترك لـ«البناء» و«توب نيوز» الاستمرار بمفاوضات جنيف للدخول أكثر في حل الأزمة السورية. موضحاً أنّ «مسار جنيف لا بديل عنه في المشهد السوري، وأنّ مفاوضات جنيف هدفها منع اشتباك إقليمي دولي، وسترسم الشكل الدولي للمنطقة».

جنيف الطريق

وأضاف بلال: «هناك ثلاث نقاط لا بدّ من الانتباه لها، أولها أن لا حلّ بديل عن جنيف في ظلّ هشاشة النظام الدولي، والأمر الثاني أنّ جنيف ليس مجرّد تفاوض سوري سوري، بل هو فكّ اشتباك إقليمي يحاول فيه الجميع كسب شيء منه، والأمر الثالث هو الحوار السوري السوري والوصول إلى مخرجات جنيف 1 ونظام سياسي علماني ديمقراطي، أمّا الأمر الهام فهو الانهيارات الإقليميّة الكبيرة التي تتعدّى الملف السوري، والمتوقّع وضع خارطة طريق تتعدّى فيينا 1 وفيينا 2 والوصول إلى خطوات تنتهي بدستور جديد وانتخابات».

ورأى بلال أن لا بديل عن مسار جنيف الذي ربما لا يلبّي كل الطموحات بالنظر لموقع سورية في السابق الجيواستراتيجي القوي، والذي تأثّر خلال الأزمة. ولفتَ إلى عدم قدرة الفصل بين المجموعات الإرهابية والمعارضة السياسية، «لأنّ ذلك سيؤثّر في الصراعات وتتبدّل بعض خطوط التماس، ويخلق إرباكاً في عقد الجولة القادمة من جنيف»، منوّهاً إلى أنّ «التوافقات الروسية الأميركية ليست للسير في حل سياسي سوري، إنّما لعدم حصول اشتباك روسي أميركي»، وأضاف «الوضع في سورية أنّ هناك قوات روسية وأميركية و تورّط تركي كبير مع المجموعات المسلحة، وهذا ما يجعل حصول تهدئة أمر صعب، وهو ما جعل التوافق الروسي الأميركي لتجنّب اشتباك إقليميّ يؤثّر على السلم الدولي بشكل عام». موضحاً أنّ «فصل الجبهات على الأرض أصبح من الصعب تحديده، خصوصاً بعد عدم القدرة على تحديد المنظمات الإرهابية وإدراجها على لوائح الإرهاب العالمي».

تفاوض دولي

ويرى بلال بأنّ مسار جنيف رُسم دولياً كمسار تفاوض لمسارات حتى ولو أخذت وقتاً طويلاً، معتبراً أنّ «جيش الإسلام» يحمل إيديولوجية واحدة مع تنظيم القاعدة بحسب مراكز الدراسات الأميركية، وهو ما يجعل السؤال كيف سيتمّ عزل هؤلاء عن العملية السياسية كطرف مفاوض؟ عمليّاً لا يمكن عزله إلّا عبر اصطدامه بالمقرّرات الدولية أو انتهائه كتشكيل عسكري على الأرض والذهاب نحو حالة سياسية تتّجه للاضمحلال، وبالتالي تغدو عملية مشاركته السياسية لتجنّب اشتباك إقليمي يمسّ المصالح الإقليمية ومحاولة لإيجاد شكل جديد في المنطقة».

وأكّد أنّ «الولايات المتحدة تحتفظ بورقة الدعم التسليحي وإرسال المقاتلين لاستخدامها في التفاوض، فالإدارة الأميركيّة لا تتمسّك «بالنصرة» و«داعش « كطرف محبّب، بل لأنّها لا تريد ترحيل حروب إلى الإدارة الأميركية الجديدة، بل تريد ترحيل إطار اتّفاق سياسي.

وأشار بلال إلى أنّ «الحسم العسكري في هكذا مواضيع يؤدّي إلى حرب عالمية وانهيار النظام الدولي لوجود الجيش الروسي على الأرض السورية، فلا يمكن حسم التواجد الإقليمي في المنطقة بل إعادة رسم المنطقة يُعدّ الحل الأفضل».

وأضاف: «مسار جنيف رهن السيناريو الدولي لاحقاً، وهو ما وضعه التوافق الروسي ـ الأميركي. الشكل الدولي للمنطقة لم يتحدّد بسبب هشاشة الموقف والنظام الدولي وهو ما سيؤدّي إلى إطالة أمد الأزمة السورية خاصة بعد أن عادت قوى دولية مثل روسيا والصين إلى الواجهة وقوى إقليمية كإيران لتلعب دوراً إقليمياً بشرعنة دولية، كما تكوّنت مجموعة /16/ التي اجتمعت في « فيينا «، وهذا ما يشير إلى تبدّل النظام الدولي بشكل بطيء، وعند استقرار النظام الدولي سيتمّ تحديد شكل المنطقة ككل».

لا حلّ سوري سوري

واعتبر بلال، أنّه «لا يمكن الحديث عن سياسة سورية بالمعنى المحلّي وحل سوري سوري للأزمة، لأنّ سورية بالمعنى الجيوبولوتيكي، وبتموضعها في دائرة الأزمات لا يمكن رسم سياسة محليّة لها بشكل مطلق، فالشعارات التي بدأت الأزمة السورية بها كانت ترتبط بأمر دوليّ تحدّثت عنه وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون بضرورة فك الارتباط مع إيران وهو سبب الغضب الخليجي الآن، فما ورد عن شكل الجسم الانتقالي الذي عُرض في «جنيف1» له علاقة بتوازن المصالح الدولية أساساً، والسياسة السورية منذ البداية هي فن التلاعب على التوازنات الإقليمية، وهو سبب انقلابات منتصف القرن الماضي والوحدة مع مصر، وقدرة الرئيس الراحل حافظ الأسد بحسب الدراسات الأميركية على اللعب على التوازنات والإبقاء على السيادة، ما مكّن سورية من الصمود».

ورأى بلال أنّ «جنيف» وشكل الحكم في سورية مرتبط بشكل كبير مع سيناريو منظومة الشرق الأوسط، وهو ما يستدعي انتباه الروس والأميركيّين، وهو ما ينسجم مع ما طرحه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منذ فترة عن منظومة الأمن الإقليمي الذي يضمّ العراق وسورية والسعودية وتركيا في ذروة الاشتباك بينهم.

وتابع في حواره عبر صحيفة «البناء» بالقول، إنّ «الأميركيّين بعيدون عن تفاعلات الأزمة السورية كفعل إرهابي، أمّا الحديث عن مقدار التدمير في سورية فهو شيء من الماضي، فحين نتحدث عن مجاعة إقليمية وانهيار اقتصادي إقليمي، وهو شيء يشبه بداية الحرب العالمية الأولى، وهو ما يريح الأميركيين، فالأزمة السورية جزء من شبكة أزمات تمتد من أوكرانيا إلى اليمن إلى مشكلات الاستراتيجية الأميركية في بحر الصين، وهو ما تراه أميركا من ضمان لمصالحها في هذه الشبكة من الأزمات، وهو ما تسعى إليه الإدارة الأميركية الحالية من عنوان الحرب على الإرهاب والذي ربما لن يكون عنواناً للمرشّح «ترامب».

علاقة عضوية

في العلاقة ما بين السعودية وأميركا، يرى بلال صعوبة بفصلها كونها علاقة استراتيجية دولية لا تتعلّق بشكل الإدارة الأميركية، فالسعودية حصلت على هامش كبير من التدخّل العسكري والسياسي عبر الاستثمار بالإرهاب في بداية الأزمة السورية، وتعمل على التنسيق المستمر حتى اللحظة، ورغم الانزعاج السعودي من الاتفاق النووي الإيراني فإنّ الخلاف لا يرقى إلى مستوى فضّ العلاقة الأميركية مع السعودية.

وعن مستقبل الانخراط السعودي في سورية وإمكانية مشاركة التنظيمات السعودية بالحرب على «داعش « و«النصرة»، قال بلال: «لا يمكن التعويل على المجموعات الصغيرة التي تحتمي بـ«النصرة» و«داعش» والتي لا تستطيع محاربة تنظيمات بحجم الـ»نصرة» و«داعش»، فهي مجموعات مرنة تعطي الولاء حسب موازين القوى على الأرض، وما قدّمته الولايات المتحدة من تدريب لمقاتلين لم ينجح سوى مع قوات الحماية الكردية، فالرهان الأساسي هو على القوى الداخلية والجيش السوري الذي تحاول روسيا تحييده عن المجادلات السياسية، لأنّ مهمته العظمى في النهاية هي الحرب على الإرهاب واستعادة سيادة الدولة مهما كان نوع وشكل الحل السياسي».

لا حضور لوفد الرياض

بلال، وفي معرض حواره أكّد أنّ «وفد الرياض هو صاحب التمثيل الأضعف على الأرض كونه يمثّل مصالح دول إقليمية، وهكذا يتمّ التعامل معه في المفاوضات، بعكس منصّة موسكو التي تمتلك قوى فاعلة سياسياً، ومنصّة القاهرة التي تمتلك حضوراً سياسياً على الأرض وهم مقيمون في سورية».

وحول مسألة مشاركة الأكراد في المفاوضات، يؤكّد بلال أنّ الموقف الأميركي هو الموقف المؤثّر بدليل دعم قوات سورية الديمقراطية، أما ممانعة مشاركة الأكراد لا تعكس الدور التركي بل الأميركي الذي يريد ورقة يتلاعب بها حالياً كورقة لا تنتقص من الدور التركي من جهة، ويتمّ الضغط بها سياسياً على الحكومة السورية من جهة أخرى، «فالسياسة الأميركية تقوم على رسم السياسات بعد اتّضاح التداعيات، أمّا السياسة الروسية فتُريد إشراك الأكراد كمكوّن سوري من جملة المكوّنات السورية».

ويختم بلال حواره حول تداعيات الانتخابات الأميركية على سورية بالقول: «دور الرئيس ليس ذو أهمية، وهويّته لا تعني نهاية الأزمة السورية، ما يتغيّر هو الضغط على الأرض، وبالنهاية ستكون أغلب الطروحات ذات مرجعية سياسيّة وهي غير مرتبطة بنهاية ولاية الرئيس الحالي باراك أوباما بل تتبع لطبيعة الضغوط السياسية».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى