الرئاسة من الباب الأميركي؟
حسين حمّود
ليس القرار الأميركي الأخير 2297 الهادف إلى «تجفيف تمويل حزب الله»، بجديد في إطار الحرب على المقاومة التي تشنّها الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها الخليجيون، إذ سبق أن صدرت قرارات مماثلة قد تكون أقلّ حدّة وقسوة من القرار الأخير، ومع ذلك لم «يتحمّس» حاكم المصرف المركزي رياض سلامة لتطبيقها، كما فعل مع القرار 2297.
فقد أسرع الحاكم إلى إصدار التعاميم لا سيما التعميم رقم 137 التي تلزم المصارف اللبنانية بالقرار الذي ينصّ على فرض عقوبات قاسية على المصارف التي تفتح حسابات لحزب الله أو تسهّل التعاملات معه. الأمر الذي اعتبره الحزب مسّاً بالسيادة اللبنانية متهماً سلامة بـ»الانصياع غير المبرّر لسلطات الانتداب الأميركي النقدي على بلادنا»، محذراً من التداعيات السلبية للتعاميم التي «من شأنها أن تزيد وتفاقم الأزمة النقدية وتدفع البلاد نحو الإفلاس بسبب ما سينتج من قطيعة واسعة بين اللبنانيين والمصارف، الأمر الذي يعرّض البلاد لانهيار نقدي خطير ولفوضى عارمة غير قابلة للاحتواء».
لكن سلامة ردّ على منتقدي التزامه بتنفيذ القرار الأميركي بالتوضيح أنّ قانون مكافحة تمويل حزب الله دولياً «هو قانون أميركي مطلوب تطبيقه عالمياً وفي لبنان، وبالتالي فإنّ التعميم رقم 137 كان واجباً قانونياً لبنانياً»، رابطاً مسألة تأمين الاستقرار التسليفي الذي هو أحد واجبات المصرف المركزي، بحسب المادة 70 من قانون النقد والتسليف، بتطبيق القرار الأميركي.
ليس لهذا السبب فحسب التزم سلامة بالتوجيهات الأميركية، بل هناك ما يتعلق بـ»إراحة» المصارف»، ويؤكد «ملاءمة العمل المصرفي في لبنان مع ما هو مطلوب دولياً» وإلاّ «سيصبح قطاعنا المصرفي معزولاً عن العالم». ولزيادة التهويل أشار سلامة إلى «أنّ تمويل لبنان يرتكز أساساً على الأموال الوافدة إليه من المغتربين وغير المقيمين، وأنّ المقيمين بحاجة إلى تواصل مصرفي خارجي واسع ودائم لتمويل الاستيراد والتصدير والحاجات العائلية والشخصية».
وقد سارع بعض المصارف إلى تطبيق القرار الأميركي وتعميم سلامة، بالرغم من محاولة حزب الله احتواء هذا الموضوع عبر وسطاء للتفاوض، أبرزهم النائب السابق أمين شري، فيما كلّف وزير الصناعة حسين الحاج حسن وعضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب علي فيّاض بالتواصل مع جمعية المصارف، وكان لقاء أمس بين فياض ورئيس الجمعية جوزيف طربيه.
لكن إذا كانت تبريرات سلامة واقعية وتنطلق من النصوص القانونية اللبنانية لحماية المصارف اللبنانية والمودعين اللبنانيين، ومنهم بعض جمهور حزب الله نفسه، إلا أنه يعلم أنّ الرؤية الأميركية في قرارها ضدّ حزب الله تستهدف المقاومة وإنْ استخدمت تعبير وصف «الإرهاب والإجرام» لتبرير قرارها. فلو كانت حقاً تريد تجفيف مصادر تمويل الإرهاب لاتخذت قرارات عقابية ضدّ تركيا مثلاً التي تشتري النفط من تنظيم «داعش» الذي يُجمع العالم على أنه تنظيم إرهابي بدليل ما قدّمته روسيا من وثائق وبيانات وصور للأقمار الاصطناعية اطلع عليها مجلس الأمن الدولي وطبعاً الولايات المتحدة الأميركية.
قد يكون هذا الأمر ليس من صلاحية سلامة الذي تقتصر مهامه على الشؤون النقدية، لكن المسؤولية الأساسية تقع على عاتق الحكومة التي حتى اللحظة لم تحرّك ساكناً في وجه الإدارة الأميركية احتجاجاً، على الأقلّ على قرارها المُجحِف بحق المقاومة المعترف بها في البيانات الوزارية كلها، ومنها بيان الحكومة السلامية.
لكن هذا الموضوع لم يمنع أوساطاً سياسية في معرض انتقادها لـ»حماسة» سلامة من الغمز من قناة الاستحقاق الرئاسي، معتبرة أنّ الطموح إلى رئاسة الجمهورية قد يكون بدأ يراوده في ظلّ انسداد الأفق أمام المرشحين الحاليين، وبدء البحث عن بدائل قد يكون حاكم المركزي أحدها، بالرغم من وجود أكثر من فيتو سياسي داخلي عليه.
وتعزو الأوساط رأيها هذا بزيارة سلامة إلى باريس ثم واشنطن ملاحظةً أنّ الزيارتين، ولا سيما الزيارة إلى العاصمة الأميركية، لم تحصل قبل صدور المراسيم التطبيقية للقرار الأميركي للبحث مع السلطات الأميركية في أحقية أم عدم أحقية القرار، بل بعد صدور تلك المراسيم التي أدخلت القرار حيّز التنفيذ والتي أتبعها سلامة بتعاميمه للمصارف.
في الخلاصة، ومهما يكن من خلفيات لموقف سلامة، فإنّ المرحلة المقبلة ستكون محتدمة داخلياً ولا سيما على الصعيد الحكومي والوضع السياسي العام.