عودة أوباما إلى العراق من البوابة الكردية
عامر نعيم الياس
ذكرنا في عدد من المقالات السابقة على صفحات البناء أهمية الدور الكردي في العراق والمنطقة بالنسبة إلى الإدارة الأميركية الحالية وحتى الإدارات السابقة، لعلّ هذا ما يفسّر في جزء منه الصعود المتسارع لنجم أربيل منذ الاحتلال الأميركي للعراق وحتى يومنا هذا على المستويات كافة خصوصاً الاقتصادي والأمني منها، إذ تحوّلت قبلة للعمالة العربية الرخيصة والمستثمرين العرب.
يوم الجمعة في الثامن من آب الجاري تدخلت طائرات إف 18 الأميركية للمرة الأولى ضد تنظيم داعش في العراق وتحديداً في تخوم أربيل «العاصمة الكردية» كما يحلو للإعلام الغربي وصفها، حيث قصفت أهدافاً لتنظيم داعش الذي ما زال يتقدم من جهة الغرب باتجاه أربيل، الأمور لم تتوقف عند هذا الحد بل دخلت أيضاً الطائرات الأميركية من دون طيار المعركة، ووصل 150 مستشاراً عسكرياً أميركياً إلى أربيل للمساعدة في الحرب الدائرة بين البيشمركة وداعش والتنسيق مع الحكومة العراقية، فهل عاد أوباما إلى العراق من البوابة الكردية، أم أنه عاد لإدارة المعركة على العراق من أرض ما يسمى «إقليم كردستان»؟
جاء التدخل الأميركي الجوي في العراق على خلفية تحوّل الحرب بين الأكراد وهذا التنظيم الإرهابي إلى حرب مفتوحة، وعدم اقتصار التورط الكردي في هذه الحرب القذرة على صد بعض العمليات العابرة من هنا وهناك، فخسارة سنجار وزمار أو بمعنى أصح تسليمهما كما حصل في الموصل قبل شهر من الآن، دقّت ناقوس الخطر بالنسبة إلى الإدارة الأميركية و«إسرائيل» وتركيا، هنا تتلاقى المصالح في كردستان العراق إلى حد التطابق، لا خلافات تذكر في ملف هذا الإقليم الدولة، تحرّكت واشنطن وكشفت صحيفة «الحياة» السعودية عن «نية باريس التدخل إلى جانب واشنطن لضمان عدم بقاء المالكي»، أما «تلغراف» البريطانية فقد كشفت هي الأخرى أن «بريطانيا قد تبدأ بشن ضربات عسكرية ضد المتطرفين الإسلاميين في العراق إذا تطور الوضع إلى إبادة جماعية»، تسريبات إعلامية تعكس أمرين مهمين، أولهما جدية التحرك الأميركي في العراق ودخول واشنطن المباشر في هذه الحرب، وثانيهما المخاوف الأوروبية من العودة الأميركية المنفردة إلى العراق وبالتالي الضغط للمشاركة في هذه العودة «المظفرة» في مشهد يشبه ما جرى قبل عقد من الآن، فالطائرات الأميركية التي قصفت العراق الواحد الموّحد قبل أحد عشر عاماً انطلقت من إحدى حاملات الطائرات في الخليج العربي، واليوم يتكرر ذات السيناريو فالعراق يحتل ويقصف دوماً من الخليج العربي.
خلال لقائه مع صحيفة «نيويورك تايمز» كان الرئيس الأميركي باراك أوباما واضحاً في قراره «عدم السماح بإقامة خلافة في سورية والعراق»، لكنه أكد أن «حل الأزمة في العراق سيأخذ وقتاً» وأن «وجود حكومة مركزية جامعة في بغداد سيساهم بشكل أثر فعالية في قتال داعش» مضيفاً أن «بلاده لن تتدخل بريّاً في العراق»، هنا من الواضح أن الولايات المتحدة الأميركية تعمل في العراق وفق الآتي:
التدخل العسكري المباشر لحماية إقليم كردستان العراق من التمدد الداعشي الذي تجاوز الخطوط الحمراء في ما يخص الإقليم وحده وليس باقي الأراضي السورية العراقية.
إن الانخراط العسكري المباشر في العراق واضح الصيغة فالوفود العسكرية الأميركية تقيم في أربيل وتعمل فيها و«تنسّق» مع الجيش العراقي والحكومة المركزية في الحرب.
التدخل الأميركي سيفتح بازار المزايدات الدولية على التدخل العسكري المباشر في العراق لحماية مناطق الشمال، هذا ما كان واضحاً في تسريبات صحيفة «تلغراف» البريطانية حول نية لندن التدخل في العراق، وبالتالي توزّع واشنطن الأدوار على العواصم الدولية في ما يخص تداعيات تمدد داعش في العراق حالياً وربما في سورية مستقبلاً، في إطار تشكيل تحالف دولي غير مباشر خارج مجلس الأمن الدولي.
فرنسا تريد الدخول على خط التدخل الجوي الأميركي من بوابة الحرص على عدم بقاء المالكي، وأوباما لا يزال يصر على إعادة صوغ المشهد السياسي العراقي وفق متطلبات الاستراتيجية الأميركية، وبما يتماشى مع حجة أن داعش ما كان له أن ينفلش هكذا لولا وجود المالكي تحديداً على رأس الحكومة العراقية، أمور تشير إلى أن التدخل الأميركي بشكله الحالي أقرب لإدارة المعركة العراقية بشكل مباشر من داخل أربيل، هو الدفاع عن عاصمة النفوذ الأميركي في شمال العراق وإدارة معركة داعش والمالكي من قلب العراق.
كاتب سوري