وجدة ـ المغرب تحتضن قصيدة النثر العربية وتُسائل جرحها الشعري

مصطفى بدوي

اختُتمت مؤخراً فعاليات ملتقى قصيدة النثر العربية التي شهدتها مدينة وجدة في شرق المغرب. هذا الملتقى الذي نظّمه مختبر التراث الثقافي والتنمية التابع لكلّية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة «محمد الأول» في وجدة .وقد تضمّن ندوة علمية ونقدية، شارك فيها من المغرب الدكتور رشيد يحياوي، والدكتور عبد القادر الغزالي بورقتين نقديتين بالغتَي العمق.

تناول الناقد الدكتور رشيد يحياوي في محاضرته «قصيدة النثر… الأنواعية والتناصات»، الجوانب التأصيلية والجوانب التفاعلية، وهامش الإشكال والصراع بين فصائل المعيّة والضدّية لهذا المنهج الشعري في العالم العربي. مستحضراً موقف المعارضين لمن يعتبرون قصيدة النثر دخيلة على الأدب العربي أن العكس صحيح، وأن أصولها ترجع لكل الإشراقات النثرية العربية القديمة، من بينها إشراقات النصوص الصوفية التي كانت سبّاقة لكسر الجدار الفاصل بين الشعر والنثر والتعبير عن الرؤية المتوترة لعلاقة الذات بالعالم.

وبيّن يحياوي أن النقد العربي لقصيدة النثر يشتغل باستعارات ذات مرجعية جنسانية، أدّت إلى وجود تصوّر يرى أنه حدث تزاوج بين النثر وهو مذكر، وبين القصيدة وهي مؤنث. ولذلك يتصوّر أن قصيدة النثر توجد في حالة مهلهلة تحتاج إلى الوزن باعتباره مذكراً أيضاً لبنائها. مؤكداً أن قصيدة النثر كتابة شعرية تتجاوب فيها حدوس الشاعر للعوالم المختلفة المرئية وغير المرئية لأنها أفق يضع الذات أمام مأزق وجودها المتشظّي في حاضره ومستقبله.

فيما ركّزت ورقة الدكتور الغزالي على ضرورة تجاوز سؤال المشروعية الذي يطرحه البعض في خصوص قصيدة النثر التي هي في نظره في طور تأسيس أفق شعريّ مختلف، يستثمر الإمكانيات اللامحدودة للغة في تعالقاتها بالتراث بمختلف أشكاله وتلاوينه. ما يطرح ضرورة استدعاء معايير أخرى مرتبطة بالإنجازات النصّية التي تنتج معاييرها الخاصة المتجدّدة باستمرار. مفضياً إلى ضرورة الإنصات لنبض القصيدة المتدفّق والتواضع أمامها باعتبارها أفقاً يؤسّسه المحو المتجدّد.

وعلى هامش الندوة العلمية، قُدّمت قراءات شعرية على مدى يومين، شارك فيها كل من الشعراء: حسين حبش ألمانيا ، صالح زمانان السعودية ، علي ناصر كنانة السويد ، مصطفى بدوي وعبد القادر الغزالي المغرب .

وكان الجمهور الحاضر في لقاء حميميّ مع قصيدة النثر، بحيث عاش لحظات رائعة وهو ينصت إلى عزلة الكائن مع حسين حبش وهو يحمله إلى شرفة الموت من خلال استثمار القدرات اللانهائية لقصيدة النثر وهي تجابه أسئلة: الكينونة واليومي والمنفى والتشظّي الوجودي. أما الشاعر صالح زمانان، فقد هاجر نحو لعبة الكونتراست لينسج تفاصيل تخييلية غارقة في البذاخة والتكثيف الاستعاري، فيما نحا الشاعر السويدي الجنسية العراقي الأصل علي ناصر كنانة نحو خيمة الذات ليشقّ أخاديده الشعرية من خلال الزجّ بالقصيدة في متاهاتها ومجاهلها.

أما الشاعر المغربي مصطفى بدوي فقد اقترح نصّاً شعرياً على مسامع الجمهور الحاضر شيّد به إقامته الشعرية التي استثمرت اللاذقية باعتبارها أفقاً جمالياً ورمزياً. فيما ظلّ يطارد ضوء القصيدة وهو يتعقّب ريش الخلود بين أجراف الفرات: الرحم الجوهرية لسلسبيل القصيدة، يقول:

آه… من نرجيلة الليل قرب أسوار الرصافة

و«كرم اللولو» في رأس الشمراء

آه… من قداسة قاسيون وهو يحرس أميرات الشام في منامهن الوثير!

كما قدّم الشاعر عبد القادر الغزالي قصيدة طويلة فتح له فيها حواراً مع سركون بولس، مشرّعاً الأسئلة الأخرى التي تجترحها القصيدة وهي تستند إلى عريها ومتاهاتها .

كان الملتقى فرصة حقيقية لمراكمة الأسئلة التي تطرحها قصيدة النثر سواء على المستوى النظري أو النصّي. ولعل في مشاركة الجمهور في الندوة الدليل المادي على تحقيق الملتقى غاياته التي كان يصبو إلى تحقيقها. مرة أخرى، نجدّد الشكر لمختبر التراث الثقافي والتنمية التابع لكلية الآداب والعلوم الانسانية في جامعة «محمد الأول» في وجدة الذي احتضن فعاليات هذا الملتقى العربي، وشكراً لكل من ساهم في التحضير له والسهر عليه ليفتح جرح القصيدة على مصراعيها.

كاتب مغربي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى