لماذا تدعم واشنطن الجهاديين الأصوليين في سورية؟
كتب جوان كول: في خضمّ مفاوضات السلام بين الحكومة السورية، و«المعارضة المسلحة» التي تسعى إلى الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، ترأس «الوفد المعارض» للحكومة المدعو محمد علوش، وهو قياديّ في الفصيل «المعارض» الذي تدعمه السعودية، والمسمى «جيش الإسلام».
أبدت روسيا والحكومة السورية اعتراضهما على تمثيل فصيل علوش في محادثات جنيف، لأنها تنظر إلى الفصيل باعتباره أحد الفصائل الجهادية السلفية، أو نسخة مخففة من تنظيم «القاعدة»، وتعتبر أعضاءه إرهابيين أكثر من كونهم «ثواراً»، ولكن الولايات المتحدة وحلفاءها، خصوصاً المملكة العربية السعودية، أصرّوا على بقاء علوش، ليس كعضو ضمن الوفد «المعارض» فقط، بل كرئيس له أيضاً.
انخرط «جيش الإسلام» خلال الشهر الماضي بمعارك شرسة، ولكن سلاحه لم يكن موجّهاً ضد قوات الحكومة السورية التابعة للأسد، بل بدلاً من ذلك، حاربت قوات علوش ضمن الضاحية الشرقية لدمشق، المعروفة بِاسم الغوطة الشرقية، جماعة مسلّحة «معارضة» أخرى، كانت من حلفاء «جيش الإسلام» السابقين ولكنها تحالفت اليوم مع ذراع تنظيم «القاعدة» في سورية، «جبهة النصرة». وأسفرت هذه المعارك حتى الآن عن مقتل نحو 300 شخصاً، والجدير بالذكر أن أحداً من طرفَي حرب الغوطة المصغرة لا يسعى أو يؤمن بإحلال الديمقراطية أو إتاحة الحقوق المتساوية أمام جميع المواطنين، وهنا يتبادر السؤال إلى أذهاننا، لماذا تصطف إدارة أوباما مع المملكة العربية السعودية في شرعنة جيش الإسلام؟
ما تبقى من «الجيش الحر»، الذي كان ناشطاً في السابق ضمن المنطقة، بضع مجموعات مسلّحة من الأصوليين، بعض عناصر الإخوان المسلمين الأكثر اعتدالاً، وبعض المجموعات الأخرى التي تحمل مخططات لنظام سلفي متزمت لا مجال ضمنه للعلمانيين وللأقليات الدينية أو للديمقراطية.
ينتمي نحو 35 في المئة إلى 40 في المئة من السوريين إلى الأقليات العرقية أو الدينية، وغالبية السكان السنّة المتبقون يمكن تقسيمهم ما بين مجموعة علمانية صغيرة وأخرى متدينة، ومن هذا المنطلق، فإن تنفيذ حلم الرياض بتطبيق الإسلام السعودي الوهابي في دمشق لا يمكن تحقيقه بالتأكيد ضمن سورية.
طرفا حرب الغوطة المصغرة، «جيش الإسلام» و«فيلق الرحمن»، لا يسعيان أو يؤمنان بإحلال الديمقراطية أو إتاحة الحقوق المتساوية أمام جميع المواطنين، فلماذا تصطف إدارة أوباما مع المملكة العربية السعودية في شرعنة «جيش الإسلام»؟
في الوقت عينه، تم استبعاد الأكراد اليساريين الذين ينشطون في مناطق الشمال الشرقي السوري، ويعتبرون من أكثر القوات القتالية قوة وكفاءة بمواجهة تنظيم «داعش»، من مفاوضات جنيف، وذلك امتثالاً لإصرار تركيا على استبعادهم.
تمتع «جيش الإسلام» التابع لعلوش مسبقاً بتحالف مع جماعة «أحرار الشام»، وهي جماعة جهادية سلفية قوية ناشطة في شمال البلاد، وبالمقابل، تتمتع جماعة «أحرار الشام» بتحالف مع «جبهة النصرة»، فرع تنظيم «القاعدة» السوري.
انفصل عدد من عناصر «الجيش الحرّ» السابقين لينضموا إما لتنظيم «القاعدة» أو لتنظيم «داعش»، ومع ذلك كانت الولايات المتحدة مصرّة على الاستمرار في دعم ما تبقى من عناصر «الجيش الحرّ»، على رغم أنّ فصائل عدّة منه تخلّت عن مطلب الديمقراطية، تعهّدت بالانتقام من الشيعة وغيرهم من الأقليات في سورية، أو أصرّت على تخطيطها لفرض رؤية أصولية للشريعة الإسلامية على المكوّن الشعبي برمته، وبالمقابل تقول وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية CIA إنها دقّقت في أكثر من 30 فصيلاً من هذه الجماعات المسلحة لتتأكد من عدم تمتعها بأيّ علاقات مع تنظيم «القاعدة»، لتعمل بعد ذلك إلى تمرير الأسلحة إلى أولئك المقاتلين، من خلال المملكة العربية السعودية، بما في ذلك صواريخ «تاو» المضادة للدبابات.
تكمن المشكلة هنا فب أن هذه المجموعات التي تم «فحصها» أو «التدقيق فيها» تظهر في كل مرّة ضمن ساحة المعركة كحليف على الأرض لتنظيم «القاعدة» في سورية فمثلاً إحدى المجموعات التي «دققت فيها» وكالة الاستخبارات الأميركية، واستعملت مسبقاً ضمن حروبها صواريخ «تاو» الأميركية، «فيلق الرحمن»، الذي يتمتع بمركز قويّ في شرق الغوطة، وفي السنة الماضية، كان يتشارك غرفة عمليات مع «جيش الإسلام»، ولكن في الشهر الماضي، انقلب «فيلق الرحمن»، وأعلن انضمامه إلى تنظيم «القاعدة»، وبدأ بمهاجمة «جيش الإسلام» التابع لعلوش.
إذن الموقف الآن كالتالي: الفصيل التابع لرئيس الوفد «المعارض» المفاوض في جنيف محاصر اليوم من قِبل أحد الفصائل الذي كان يتبع له، والمدعوم من الولايات المتحدة، ومن المرجح أن هذا الفصيل الأخير استخدام الأسلحة المقدّمة من وكالة الاستخبارات المركزية ضدّ «جيش علوش»، وذلك رغم تحالف «فيلق الرحمن» في المعركة مع تنظيم «القاعدة».
ضمن الغوطة الشرقية، يحارب «فيلق الرحمن»، حليف «جبهة النصرة»، وغرفة عمليات «جيش الفسطاط»، التي يقودها تنظيم «القاعدة»، ضد «جيش الإسلام»، حيث ازدادت وتيرة المعارك ما بين الفصيلين الأصوليين ليلة السبت، ولكن المعركة كانت بالأساس مستعرة على مدار الأيام العشرين السابقة، حيث أسفرت عن مقتل 300 شخصاً معظمهم من عناصر «جيش الإسلام» و«القاعدة»، والعشرات منهم تابعين لـ«فيلق الرحمن»، كما وردت أنباء عن أن دعاة «جبهة النصرة» يحرّضون اليوم على قتل أفراد «جيش الإسلام».
بدأت المعركة ما بين «فيلق الرحمن» و«جيش الإسلام» في أواخر نيسان المنصرم، عندما هاجم الأخير مواقع «جيش الإسلام» في المناطق الوسطى من الغوطة، واقتاد 400 عنصراً منهم إلى الأسر، ونزع سلاحهم، حيث زعم أحد الصحافيين المستقلين في سورية أن الهجوم حينذاك على مواقع «جيش الإسلام» كان منسقاً ما بين «فيلق الرحمن» و«جبهة النصرة».
جيش الإسلام لا يجب أن يمثّل وفد المعارضة كمفاوض رئيسي في جنيف، كما يجب إدخال الأكراد اليساريين في نطاق المفاوضات إذا كنا نرغب حقاً بأن يبقى الشمال الشرقي جزءاً من سورية في المستقبل
عمدت «جبهة النصرة»، جنباً إلى جنب مع حليفها الآخر، فصيل «أحرار الشام»«، إلى مهاجمة جزء آخر في سورية يوم الخميس المنصرم، حيث وقع الهجوم على قرية الزارة الشيعية العلوية في جنوب حماة، وتم اتهام عناصر «المعارضة» هناك بارتكاب مذبحة بـ19 مدنياً على الأقل والتمثيل بجثث قتلى العلويين الذين يدعم معظمهم حكومة الأسد.
يقول سكان قرية الزارة إن عناصر «المعارضة» قاموا بذبح ضحاياهم ضمن منازلهم، ومن بين القتلى أطفال ونساء ومسنّون، ولكن بالمقابل، نفى «أحرار الشام» استهداف المدنيين في الزارة، وادّعوا أن جميع من تم قتلهم كانوا يحملون السلاح ويقاتلون عناصرهم.
الجدير ذكره هنا أن العلويين يشكّلون حوالى 10 في المئة إلى 14 في المئة من سكان سورية، كما أن «جيش الإسلام» التابع لمحمد علوش، كبير المفاوضين في جنيف، متحالف مع «أحرار الشام»، فضلاً عن أن عائلة علوش مشهورة بنقدها اللاذع ضدّ المكوّن الشيعي في سورية، وهو ما يطرح التساؤلات حقاً حول توجهات أميركا في دعم فصيل «جيش الإسلام».
أخيراً، لا يمكننا أن ننكر أنّ عدداً من الأصدقاء المفترضين للولايات المتحدة في صفوف «المعارضة السورية» يملكون أيديولوجيات بغيضة، حلفاء مجرمين، أو هم أنفسهم متهمون بارتكاب جرائم حرب لذا ينبغي على واشنطن وقف تسليح هذه المجموعات إذا كانت ترغب في الوصول في أيّ وقت لتحقيق السلام في سورية، فضلاً عن حاجتها إلى الضغط على السعودية لوقف محاولة دفع سورية إلى أقصى اليمين فالأسلحة المرسلة عبر السعودية نيابة عن واشنطن غالباً ما تشق طريقها لتقع في أيدي تنظيم «القاعدة» أو تنظيم «داعش».
«جيش الإسلام» يجب ألا يمثّل وفد «المعارضة» كمفاوض رئيس في جنيف، كما يجب إدخال الأكراد اليساريين في نطاق المفاوضات إذا كنا نرغب حقاً في أن يبقى الشمال الشرقي جزءاً من سورية في المستقبل.