قالت له
قالت له: كيف تميّز الحبّ من الصداقة بين رجل وامرأة، إذا كانت العفّة الجسدية لا تميّز إلا صلات الرحم من الآباء والأمهات والأخوة والأخوات، ومن يشابههم في المكانة؟
فقال لها: الصديق من نشكو له ضيقاً مع الحبيب، فلا يستغله للحلول مكانه. والحبيب من نشكو له الصديق فتدفعه الغيرة إلى رمي الأسافين ولو بسلاسة التساؤل أو تعداد الفرضيات. والصديق ينبؤنا بحضوره فيقول ها أنا متوفر الآن. لكن الحبيب ينبؤنا بغيابه فيقول أنا مضطر للمغادرة الآن. وكذلك الصديق من يسعى بالتذكير إلى إثبات الوقوف قربنا في المِحن أشدّ التصاقاً ممّن نحبّ. بينما الحبيب يعتبر وقفته تتحدّث عن ذاتها بلا حاجة إلى لتفسير والكلام.
وأضاف: ربما الفارق الأهمّ أنّ الصديق مشروع حبيب مؤجل. بينما الحبيب يصعب أن يكون مشروع صديق مؤجّل.
فقالت: وما الفارق في ملاعب الغزل؟
فقال: الصديق يلقي الغزل نقطة نقطة عند كلّ جديد في مظاهر الجمال، تأكيداً على الاهتمام ومنعاً لسوء الفهم، وتحسّباً لردّ الفعل. أما الحبيب فيلقي بمزاجه من الغزل ما يمهّد للعبة الجسد، وكثيراً ما يتجاهل ترفّعاً بوهم عدم التكرار.
فقالت: كلامك يجعل العلاقة بالصديق أجمل وأشدّ جاذبية وجمالاً ورقة.
فقال: لأن الصديق حبيب كامن يحكم اليأس اجتياز المسافة بين الصداقة والحبّ. والحبيب صديق ترقى ويملؤه الغرور بالفوز بالسباق في اجتياز هذه المسافة.
فقالت: والأجمل أن يبقى الصديق صديقاً. لكن كيف يصير الحبيب أجمل؟
فقال: إن أدركته رياح الغيرة من الصديق من دون أن تصير شكوكاً، فيرى شدّة الحضور منه، من دون أن يرى شدّة الانشغال منك.
فقالت: وما ترى في حالنا؟
فقال: ما بين الحبّ والصداقة جمع لأجمل ما في كلّ منهما. فهي «حباقة» تنعم بالحبق الطيّب الفوّاح، كلّما أرخت حبال الحبّ شدّت حبال الصداقة، وكلما كانت الحاجة يستنفران معاً.
فقالت: وإن أبلغتك عن صديق ينطبق عليه قولك ولا تراه أو تعرفه هو سرّ سؤالي والاعتراف؟
فقال: أعلم سبب انشغالي وتعلمين سبب مثابرتك على الانصراف.
فقالت: أتنقلب فوراً على أقوالك وأنت القائل إن الغيرة من الصديق تجعل الحبيب أجمل وأورع؟
فقال لها: الحكيم يبقى حكيماً حتى يدرك كم من النيران حوله أشعل فيخاف ويفزع. ويقول لعن الله الحكمة والحكماء وساعة التفلسف فينكر ما أبدع.
فعانقته وقالت: لا صديق ولا حبيب سواك، كانت مجرد مداعبة.
فقال لها: منذ الآن أنت تحت المراقبة. أعرفك كما أعرف كفّي. فلن تعترفي. لعلّها بداية جولة جديدة من المشاغبة!