بلديات 2016… أخطاء النافذين القاتلة وعيوب التغيير

هاني الحلبي

يتنافس الخبراء في قراءة حساب أصوات الانتخابات البلدية ودلالاتها السياسية عددياً وحزبياً وطائفياً، وكالعادة يتلهّى الخبراء بقشور الحال التي ترميها لهم الظواهر السياسية والاجتماعية والاستراتيجية ونادراً ما يسبرون الأعماق ويجوبون الآفاق.

وأية قراءة لانتخابات بلدية هي مؤشر فقط من مؤشرات عدة لا يمكن تعميمه في اتجاه سياسي بسبب المؤثرات التي تحكم هذا النوع من الانتخابات وآفاقه المحلية وحساباته المباشرة مدينياً أو ريفياً وقروياً، بحيث تعاني الانتخابات البلدية من نزاعات العائلات للهيمنة أو ديوك الأحياء لإبراز تأثيرهم في الحدّ الأدنى ومثلهم مفاتيح القرى والمسنّون وعطلجية الساحات وضيوف المضافات والصالونات والسهرات على شرفات مسائية حول نَفَس «نارجيلة» يعبق في دماغهم أنهم سادة العالم.

في كلّ دورة انتخابات بلدية يستنفر المنافقون لابتزاز الجميع وسماسرة المواقف والأصوات والتعهّدات ليتمّ تجييرها بصفقة غير مكتوبة لمصلحة مستثمر في مقبل الصفقات ومجهول المشاريع: نفايات، مرامل، تعهّدات صيانة، مشاريع إنشاء، مرافق عامة وخاصة، تنمية مستدامة وحيوية، وعود بوظائف، فضلاً عن سيف التهديدات المبطنة أو المباشرة… قليلون الذين لم يدخلوا «جنة عدن» البلدية، ولم يتخلصوا دفعة واحدة من بطالة سابقة أصابتهم لعقود… فخرجوا بمحطات محروقات عملاقة وبعقارات شاسعة ومصالح لا تقفل على مدار اليوم ويلفحون وجهك وأنت تنتظر سيارة أجرة بغبار سياراتهم الفارهة وبحص الطريق المتطاير فجوراً في وجوه الناس يصفعك باللبناني: «الشاطر ما يموت».

و»الشاطر» اللبناني يحسبها ويحبكها جيداً، يراهن فيقامر، يعقد الصفقة بين رجل الأعمال والمتموّل وبين السياسي النافذ ليوجه القطيع الطائفي والمذهبي إلى موارد الاقتراع ليحلب أصواتاً تجعل الأبيض أسود والأسود أبيض. كم من ناشط بلدي اجتماعي تمّ عزله عن دائرة النشاط بقسوة لأنّ المتنفذ لم يختره مرشحه، ولأنه لا يقبل المثول بين يديه طالباً أيّ دعم؟

في تجربة محلية معاينة شخصياً، تمّ سابقاً إقصاء لائحة بكاملها تمكّن أبرز مرشحيها من تشييد قصر بلدي بكلفة تزيد عن 300 ألف دولار، بعدما كانت البلدية قبلهم شقة متهالكة من مدخل وغرفتين وخدماتها! ولا تكفي ذرائع السمسرات على حساب البناء للعزل. فكلّ ما يتمّ فوق الأرض اللبنانية يستحلب منه السماسرة لابتزاز الناس بنظام إقطاعي فردي رأسمالي يتحاصص طائفياً وسياسياً ومالياً.

وفي تجربة ثانية معاينة شخصياً، يتمّ التحقق من السجل المالي البلدي ليكشف مستوى إنفاق يومي في بلدة لا يتجاوز عدد سكانها المقيمين عشرة آلاف مقيم، ثلاثة ملايين ليرة كلّ يوم بما فيها أيام الفرص الأسبوعية. ليبلغ مجموعه تسعين مليون ليرة لبنانية. تتقاطر الأيدي لتشطب ذلك الناشط الذي قدّم الدليل على سوء الإدارة المالية في بلدية صغيرة موسرة، لم تصل بعد أشهر سوى إلى الدين بأربعين مليون ليرة لبنانية بعد نفاد رصيدها من مليار ومئتي مليون ليرة لبنانية، وقبيل تسليمها للقائمقام!

هل يستفيق نظام الأقطاب في المدن والقرى: رجال الدين، خطباء المساجد والجوامع، النافذون، النواب والوزراء الحاليون والسابقون، أتباع السياسيين، المتقاعدون، الموسرون وأهل المجتمع، المسؤولون الحزبيون، ناشطو الجمعيات المدنية والدينية والشبابية؟

هل يستفييق هؤلاء جميعاً حتى لا يكون النداء صرخة في واد لاستدراك هول الهدر الزمني والمالي والتنموي والاقتصادي والوطني العام الذي يرتكبونه بحماقة تكراراً في كيفية إدارة الاستحقاق البلدي. أتباع النافذين تحوّلوا «أفلاطونات بلدية» ألّف احد الزملاء كتاباً بهذا العنوان إثر الاستحقاق البلدي في حزيران 1998 ، ورغم خطأ القياس على أفلاطون للدلالة على تحوّل حديثي النعمة إلى نافذين بسرعة وظنّهم أنّ فوزهم هو دليل جاه مقيم لا يزول، فإنّ لعبة النافذين بأتباعهم مستمرة في الهدر ما لم يستفق المواطن اللبناني.

تشكل مبادرة «مواطنون ومواطنات في دولة» فتحاً هاماً في هذا المجال، وكذلك ما قامت به «بيروت مدينتي»، لكن القصور هو في التمسك الذاتي والانكماش عن الائتلاف مع كلّ مَن يعارض نهجاً سائداً مستحكماً بالعقول والنظام العام. فإضعافه لا يتمّ ببوسطة تجول المحافظات فقط، ولا يتمّ بمؤتمر صحافي مهما نبلت سيرة مطلقها. أيّ مبادرة حتى تنتصر تحتاج لأكثرية كافية ووجود ميداني مؤثر بمساحة كافية لبنانياً وديمغرافياً. مبادرات التغيير البلدي كرّرت مثالب الحراك المدني التي أخذت خلال أيام تفرخ تسميات متلاحقة تجمع حفنة من الناشطين في إطار: هذا يريدهم كلّن، وذلك يريد أن يحاسب، وغيرهما ليس مزبلة… وبقينا بلا حساب وأقلّن ومزبلة فرجة للناس أجمعين!

باحث وناشر موقع حرمون

haramoon.org/ar

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى