الأديب والشاعر الرفيق صلاح الأسير
من الأدباء الذين عرفهم الحزب في اربعينات القرن الماضي وكان لهم حضورهم الحزبي، والأدبي، الشاعر صلاح الأسير الذي أشار اليه الشاعر الأمين محمد يوسف حمود في محاضرة له في ضهور الشوير بتاريخ 30/1/1985 بالقول: «وقال الأديب المجدّد الرفيق صلاح الأسير في دعوة منه الى الأدب السوري «انّ الحياة الأدبية في سورية آن لها أن تعلن استقلالها» ولتكن غاية هذا الأدب الذي ندعو اليه انتشار النهضة السورية عن طريق وصف البيئة على ما هي عليه تصويراً صادقاً بارعاً يكسب الأدب السوري روحه الحقيقية».
من جهته يورد الأمين شوقي خيرالله اسم الرفيق صلاح الأسير في الصفحة 82 من كتابه «قصة الحزب» الى جانب أسماء فؤاد أبو عجرم، حسن ريدان، حافظ المنذر، فريد مبارك وغيرهم.
منع التظاهرة في 2/11/1948 في ذكرى وعد بلفور
جاء في حديث خاص مع الأمين عبدالله قبرصي بتاريخ 11/1/2003، عن الرفيق صلاح الأسير انه، من بيروت، كان أديباً وصحافياً وشاعراً، الامين محمد بعلبكي كان يعرفه جيداً. توفي باكراً.
يضيف: «كان سعاده يريد أن ينظم عرضاً حاشداً في ذكرى وعد بلفور في 2/11/1948 على ان يخطب من على شرفة اوتيل النورماندي.
« كلّف سعاده الرفيق صلاح الأسير والدكتور رئيف ابي اللمع مفاوضة رياض الصلح للسماح بالعرض. كان المركزيون مجتمعون الى سعاده في ساعة متأخرة عندما أتى الرفيق صلاح ليبلغ انّ رياض الصلح رفض رفضاً باتاً وسيسمح فقط باجتماع في منزل. طلب سعاده من الأمين جبران جريج أن يبلغ المديريات ان تواجه الحواجز بقوة السلاح وتتوجه الى العرض.
«الأمين عبدالله قبرصي يتوجه الى سعاده… هذا الأمر هو اعلان ثورة»، اسألكم ماذا اعددتم لهذه الثورة سلاحاً ومالاً وقادة.
«صمت الزعيم واطرق رأسه بين يديه. خلال لحظات طلب الى الأمين جبران الغاء الأمر.
طلب الى الأمين عبدالله مرافقته، توجه الى منزل ناموسه فؤاد نجار 1 ، تناول كاسة لبن وخيار، ثم أكملنا الطريق الى المنارة، ثم عدنا فأوصلني الى منزلي مقابل كنيسة الكبوشية الحمراء . طوال الطريق لم ينبُس الزعيم بكلمة واحدة. قال لي: تصبح على خير، وتابع الى منزله. كان كلبه «ديك» يرافقنا.
من جهته يروي الأمين اديب قدورة حول موضوع منع المظاهرة، في الصفحتين 129 – 130 من مذكراته «حقائق ومواقف» على الوجه التالي:
« في 2 نوفمبر/ تشرين الثاني من كلّ سنة تقام تظاهرات في لبنان وسوريا والأردن، تنديداً بوعد بلفور. في عام 1948 قرّر الحزب الاشتراك مع بقية الأحزاب، في التظاهرات، كالعادة، وبخاصة بعد عودة الزعيم.
ولكن وزارة الداخلية كانت قد أخذت علماً بالمظاهرة لأنه مسموح بها شرعاً، ولكنها عادت فمنعت المظاهرات وعزت أسباب الرفض الى توتر الوضع في لبنان إثر حوادث فلسطين، ولكن تخوّفها الحقيقي كان مردّه إمكانية حدوث اضطرابات عنيفة يستغلها الحزب فيقوم بانقلاب.
وعقدت جلسة مستعجلة، في مركز الحزب خان انطون بك فطلب الزعيم من كلّ عميد الإدلاء برأيه، فكان معظمهم يصرّ على التظاهرة، خشية من تأويل التراجع فوزاً لوعد بلفور، وخيانة للقضية الفلسطينية!
وأخيراً أفضيتُ بموافقتي مبدئياً، وكعميد للدفاع، أدليت بما يلي:
ليس في حوزة الحزب سلاحاً، فإذا جررنا الى اصطدام مع السلطة سنمنى بهزيمة، وضحايا عديدة، فضلاً عن فقدان الهالة التي تحيط بقوتنا، وشماتة خصومنا.
رغماً من غياب الجيش على الحدود، فإن قوى الأمن وقوى الدرك والشرطة والأمن العام والتحري كفوء لنا خاصة وأن الأحزاب الأخرى لن تساعدنا ولن تحارب مع حزبنا.
نقمة الرأي العام علينا إذا اصطدمنا بقوى الأمن فيما الجيش على الحدود.
لم نتعوّد أن نخوض معركة خاسرة ونهرب على أثرها كغيرنا. ولم نتعوّد أن نتحرك بدون خطة. فهل نحن في صدد ثورة مسلحة؟ لا. إذن فالمناورة أوْلى والحرب خدعةً.
«وإذا بالوزير الدكتور رئيف أبي اللمع يتصل بي هاتفياً، ونحن في المركز ابان الاجتماع، ويدعوني الى لقائه في منزله فطلبت من الزعيم، أن يزوّدني بتوجيهاته، فردّ بأنه يعتمد على حكمتي وحسن تصرفي بعد الذي سمعه مني الليلة. سألت الزعيم أن يكلف أحداً بمرافقتي فترك لي الأمر أن أذهب وحيداً أو أصطحب احد الرفقاء فذهبت، والرفيق صلاح الأسير، الى منزل صديقنا الوزير الدكتور رئيف أبي اللمع الذي بادرنا بالسؤال عن قرار الحزب، فأبلغته عزمنا على التظاهر غداً، لأنّ إلغاء التظاهرة يفسّر نوعاً من التأييد للصهيونية ووعد بلفور. فإذا به يحذرنا من الاصطدام برجال الأمن، الذين يضمّون عدداً كبيراً من القوميين، «فهل تقبلون بمقاتلة رفقائكم؟» فأجبته: «لو استشهد ألف مقاتل، نصفهم منا والنصف الآخر من رجال الأمن، المفروض بأنّ نصفهم قوميين، فتكون خسارتنا 750 قومياً وخسارة رجال الأمن 250 رجلاً، يعزّ علينا استشهادهم، لأنهم مواطنون!». ولكن ليس خطأ القول إنّ جماعة الحزب القومي ثلاثة أرباع الشعب والربع الباقي لبشارة الخوري ورياض الصلح.
« تأثر الوزير ودمعت عيناه، واتصل برياض الصلح، ومفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني ورئيس الجمهورية، ثم أفادني بأنّ المفتي الحسيني، أصدر بياناً بمنع المظاهرة هذه السنة بسبب الظروف الاستثنائية. فرفضت الإذعان بعناد، فردّ بقوله: «أناشدك، يا أديب، أن تساعدنا وقد وعدني كلّ من بشارة الخوري ورياض الصلح، بأنهما مستعدان لتلبية جميع مطاليبك، في سبيل منع المظاهرة غداً. فأجبته: «لا بأس بذلك لقاء الشروط التالية»:
منح الحزب حرية العمل والتنقل والاجتماعات
السماح لجريدة الحزب بالصدور
معاملة أعضاء الحزب، كغيرهم من المواطنين، من حيث الحقوق والواجبات وتسهيل معاملاتهم المشروعة، التي تحاربها الدوائر الرسمية.
عدم التعرّض للقوميين الموظفين في الدوائر الحكومية والأمنية، كما كان يجري سابقاً.
عدم محاربة القوميين في خوض الانتخابات النيابية، كانتخابات 22 ايار.
تفهّم حسن نيات الحزب وعقيدته التي هي ضمان للبنان والأمة السورية والعالم العربي.
«سجلتُ هذه الشروط على نسختين. أبلغها أبي اللمع الى رياض الصلح هاتفياً، فوافق عليها، ثم وقعّها الوزير، فقلت له:
-» أحمّلك مسؤولية تنفيذ هذه الشروط، ليس بصفتك الرسمية كوزير، بل بصفتك الشخصية أيضاً، الدكتور رئيف ابي اللمع، الذي تربطه بالزعيم سعاده، وعدد من أعضاء الحزب روابط الصداقة!».
ولما حدثتُ الزعيم بنتيجة المساعي مع الوزير المذكور أبدى ارتياحه وغبطته، بقوله:
«كنتَ عند حسن ظني، وقد تصرّفت كمسؤول يعي قدر مسؤوليته».
« بعد ذلك اتصلتُ بالوزير أعلمه بإلغاء التظاهرة، وأعطيت التعليمات الى المسؤولين في الحزب، لتبليغها الى جميع المديريات في بيروت وضواحيها، والمناطق، ودمشق، وحلب، بعدم التوجه الى بيروت.
«وفي اليوم التالي علمتُ بمجيء ثلاثة أتوبيسات، تقلّ عدداً من القوميين الى بيروت فألقي القبض عليهم. اتصلت بأحمد البلطجي، في دوائر الأمن العام فأطلق سراحهم.
نبذة شخصية
صلاح بن مصطفى يوسف الأسير
ولد في بيروت عام 1917، وعاش حياته في لبنان، وفي مدينة جدة
درس في مدارس بيروت لا سيما مدرسة «اللاييك» المدرسة العلمانية الفرنسية – نال منها شهادة البكالوريا عام 1939
عمل محرّراً في مجلة «الجمهور» منذ عام 1935، ثم عيّن عام 1938 سكرتيراً لراديو الشرق، لكنه استقال من الوظيفة 1943 ، وانصرف الى الكتابة الأدبية وقد أسهم في تحرير عدة مجلات، أهمها: الجمهور المعرض – الأديب التي استمرّ فيها حتى عام 1953، كما أنشأ مجلة «الفكر العربي» مع رأفت بحيري، ثم أوقفها بعد ثلاثة أعداد
عمل مديراً للشركة الألمانية السعودية للمنشأت الكبرى – في مدينة جدة
مثّل لبنان في المؤتمر الثقافي العربي الذي عقد بالإسكندرية عام 1952
كان أحد مؤسسي جمعية أهل القلم – في لبنان، وانتخب نائباً لرئيسها الشاعر صلاح لبكي، كما شارك في مؤتمر الأدباء العرب الأول بيت مري – لبنان 1954 وكان أحد الدعاة اليه.
وافته المنية عام 1971.
الانتاج الشعري
صدر له ديوان: «الواحة» منشورات مجلة الأديب بيروت 1943، كما نشرت له مجلة «الجمهور» قصيدة «حيرة» ومجلة الأديب «القصائد التالية»: «وشاح» «العطش» «عودة» «نشيد الأم»- «شراع»- «شذى»- «لقاء»- «نرسيس»- «ليلة»- «الى رداء».
الأعمال الأخرى
كتب في الدوريتين: «الجمهور» ، و«الأديب» عدداً من المقالات المتنوعة، عن الشعر والثقافة، وبعض منها خواطر عامة.
تقول مجلة «الأديب» عن الشاعر: شاب يحسّ أنه قطعة من الكون فيرى نفسه ذرة مندمجة في الحجر الصلد، منفلتة في حنايا الغمام، جارية مع الماء، معربدة في الكأس، جاثمة في المعابد.