ما وراء التدخل الأميركي المباشر في جنوب اليمن؟!

علي القحوم

من المعروف أنّ اليمن لديه موقع استراتيجي هامّ وهو غنيّ بالثروات التي لا زالت في باطن الأرض، فهو يمثل موقعاً هاماً في الخارطة الجيو سياسية ومرتكزاً لشبه الجزيرة العربية… ولا تخفى على أحد الأطماع الاستعمارية على اليمن، ولهذا يتحرّك الأميركان والصهاينة لفرض الهيمنة عليه، وعلى هذا الأساس تحركوا لإعداد سيناريو يكون مختلفاً عن أفغانستان والعراق.. وكذلك صنع مبرّرات وذرائع من شأنها تهيئة المجتمع اليمني لتقبّل المحتلّ، وكذلك تهيئة الأرضية التي يريدون العمل عليها.. فكانت البداية من تفجير المدمّرة كول في عام 2000 حيث وصل بعد هذا الحادث ما يقارب 3000 جندي أميركي على أساس أنهم محققون فكانت ذريعة لبداية التحرك.. طبعاً سبق هذا الحادث عمل استخباري بالتنسيق مع الحكومة آنذاك، ومع بعض قيادات الإصلاح الدينية والعسكرية والسياسية.. فكانت المرحلة التي سبقت كول مليئة بالعمل الدعوي الذي كانت تتبنّاه القيادات الإصلاحية والسلفية والدعوة للجهاد في أفغانستان والذي فعلاً كان جهاداً في سبيل أميركا.. وبعد أن تلاشت وانكمشت عناصر الاستخبارات المسمّاة «القاعدة» في أفغانستان رجع البعض ممّن أرسلهم الجنرال العجوز علي محسن الأحمر والزنداني وغيرهم إلى اليمن.. وبهذا بدأت أميركا تتحدّث في تلك المرحلة على أنّ هناك عناصر مما يسمّى بـ«القاعدة»، ومن ثم فجرت استخبارات أميركا المدمّرة «كول» لتبدأ الهيمنة والتدخل، وبعدها ملأت أميركا بحارنا وجزرنا بالبارجات الحربية وحاملات الطائرات والسفن والفرقاطات.. فلم يكن اختيار المحافظات الجنوبية أمراً عابراً أو لمجرد الصدفة..

تهيئة البيئة الحاضنة لـ«القاعدة»

فالأميركان والصهاينة بعد دراسات وعمل حثيث لمعرفة المجتمعات وأين تكمن المصلحة وأين سيتمّ تنفيذ المؤامرة بشكل طبيعي وبتقبّل شعبي وفي أرضية قد تمّ العمل فيها من قبل في التهيئة والإنشاء وهذا يعود لأسباب عدة:

أولها: بأنها غنية بالنفط والثروات وأيضاً بعد حرب صيف 94 عمل الإخوان صفقة مع الأميركي والسعودي على نشر السلفية المتشدّدة هناك وبنيت المدارس الدينية.. ومن هنا بدأت التهيئة للمحافظات الجنوبية للمشروع الأميركي الصهيوني في المنطقة..

ثانياً: يستغلون بساطة أهلها وطيبتهم وأنهم ربما يصدقون هذه المؤامرة ولن يعارضوها أو يتحركون ضدّها.. وهذا بعد دراسات للمجتمعات وتقييمها، وهو استنتاج خلصت إليه الاستخبارات الأجنبية..

ثالثاً: المحافظات الشمالية صعب تنفيذ المؤامرة فيها لأنّ أبناءها باتوا يعون الخطر الحقيقي ويحملون السلاح ويرفضون الهيمنة والتواجد الأميركي بأيّ شكل من أشكاله..

من ثم تسلسل السيناريو في اختلاق مبرّرات أخرى من اجل إحكام القبضة واستمرار الهيمنة، ومنها قصة القرصنة التي كان الهدف شرعنة التواجد العسكري الأميركي «الإسرائيلي» في الممرات المائية والسيطرة على باب المندب.. طبعاً كلً خطوة من فصول المؤامرة يسبقها ضجيج إعلامي كبير لتهيئة الشارع اليمني والعربي لقبول التواجد العسكري لهم.. وبهذه القصة ضمنوا التواجد العسكري البحري لينتقلوا إلى قصة ومسرحية أخرى للسيطرة على الأجواء اليمنية.. وهذا جاء بعد قصة النيجري الذي زعموا انه مرّ من اليمن وأرسل طروداً مفخخة.. ليتسنّى لهم السيطرة على المطارات وفرض السيطرة الجوية لأجل أن تصول طائراتهم وتجول تحت هذه الذريعة بالتزامن مع التهيئة المناخية وإيجاد الأرضية المناسبة لزرع عناصرهم الإجرامية المسمّاة قاعدة.. وبدأ بناء هذا المشروع وصبّوا الأعمدة والقواعد للعمل بحرية مطلقة لقضم الأرضي تحت هذه المبرّرات.. ومع هذا كله قاموا بالعمل على إحياء الفتنة الطائفية والنزعة المناطقية بهدف تفكيكك المجتمع اليمني وتقسيمه كما عملوا في العراق وضرب النسيج الاجتماعي وتمزيقه.. وعملوا على هذا الوتر طيلة سنوات عديدة لأنهم يدركون أنّ المجتمع اليمني مترابط ومتداخل ولا تؤثر عليه مثل هذه الأشياء وليست ثقافة متأصلة في اليمن.. ولهذا عملوا على إغراق اليمنيين في صراعات بينية هم من يغذوها ويخططون لها والكارثة الأكبر أنّ النظام السياسي كان جزءاً من هذه المؤامرة في التهيئة والتنفيذ والتستر..

السفير الأميركي… مؤامرة جديدة

كان السفير الأميركي يتحرك في تلك المراحل وكأنه الحاكم الفعلي للبلد وكانت السفارة الأميركية مقراً ومنطلقاً لتلك المخططات الإجرامية التي استهدفت الوطن كلّ الوطن.. وباتت القوات الأميركية متواجدة بشكل علني في قاعدة العند وتقوم بعمليات عسكرية في اقتحام بيوت المواطنين كما عملوا في لحج.. وكل هذا يأتي بالتزامن مع ضجيج إعلامي كبير وواسع حول نشاط عناصر الإجرام المسماة قاعدة في المحافظات الجنوبية.. وترفع الأعلام السوداء وتسيطر على مناطق وتمارس القتل والإجرام والذبح والسحل والتفجيرات التي استهدفت أبناء الشعب اليمني في كل المحافظات.. وأيضا استهدفت الجيش اليمني ومقرّاته في إيحاء واضح انه ليس بمقدور الجيش اليمني محاربة تلك العناصر وانه لا بدّ من تواجد أجنبي لتخليصنا من هذه العناصر.. وهذا فعلاً ما حصل مما جعل الأميركان يتواجدون بشكل علني ويباشرون العمليات العسكرية على الأرض.. وكانت هناك زيارة رسمية للسفير الأميركي جيرالد فارستاين إلى أبين بعد أن انكمشت عناصرهم الإجرامية..

كما أنّ الأميركان يصوّرون أنهم أتوا إلى اليمن من اجل مساعدة اليمنيين فقط وتخليصهم من هذا الخطر، وكانت الأجواء مهيأة لهم بالعمل بحرية مطلقة.. حتى أتت ثورة الشعب اليمني في عام 2011 وتحرك الشعب اليمني في ثورة شعبية لكن كانت الأشواك تزرع أمامهم ليتسنّى لهم كبح جماح هذه الثورة، ولتختزل بعد ذلك أهدافها ويتمّ التآمر عليها.. فاستمر الشعب اليمني في حراكه الشعبي حتى الواحد والعشرين من أيلول/ سبتمبر 2014.. والذي كان علامة فارقة في تاريخ اليمنيين ومثل زلزالاً هزّ المنطقة وقلب المعادلات.. حيث انتصرت الثورة الشعبية وأسقطت زمرة الفساد والإجرام وأغلقت الأبواب أمام الخارج وسقطت الهيمنة والوصاية الخارجية.. ومن هنا بدأ الأميركان تغيير السيناريو لتبدأ مؤامرة جديدة على اليمن، ولكن بطريقة مختلفة في إعلان عدوان ظالم وغاشم وغير مبرّر لاستهداف الشعب اليمني وثورته الشعبية.. والإيحاء للشعب اليمني بأنكم ستقبلون بالوصاية والمشاريع الأميركية بالقوة.. فتمّ الإفراط في استخدام القوة واستهدف الجميع بالطيران ولم يستثنوا أحداً، فالكلّ كان في مرمى الاستهداف.. وبات كلّ بيت يمني يقطر دماً، ولم يكتفوا بهذا بل عملوا على محاربة اليمني في لقمة عيشه وفرض الحصار الجوي والبحري وعوقب الشعب كلّ الشعب وتكالب علينا العالم كله.. حيث جاء هذا العدوان برغبة أميركية وإسرائيلية بعد أن فقدوا كلّ خيوط اللعبة وتفتّتت كلّ مؤامراتهم ودمّرت كلّ مشاريعهم التي بنوها طيلة السنوات الماضية.. فأعلن العدوان من واشنطن وشاركوا فعلياً وكانت هناك مواقف عسكرية وسياسية مؤيدة وكانت بمثابة عنوان لكلّ مرحلة أثناء العدوان..

ما أشبه الليلة بالبارحة.. فالأميركان يقدّمون أنفسهم بأنهم حريصون على اليمن ويريدون تخليصه من آفة الإرهاب المؤدلج أميركياً.. وهم في نفس الوقت مَن استباحوا دماء الشعب اليمني ودمّروا كلّ ما له علاقة بحياة الإنسان اليمني خلال هذا العدوان.. وبهذا يغرّدون بأسطوانة مشروخة، فلا يخامر عاقل الشك في أنهم من أثخنوا هذا الوطن بالمؤامرات والفتن والحروب والمشاكل.. فالعمل المزدوج وسياسة الكيل بمكيالين هو نهج لديهم.. ففي اعتقادي أنّ المارنز الأميركي لم يأت إلى اليمن لمجرد النزهة فحسب، بل أتى حاملاً معه الموت والدمار لأبناء الشعب اليمني.. وهذه هي المفارقة العجيبة التي تكمن في تناغم خيوط اللعبة في تحويل اليمن إلى بؤرة جاذبة لعناصرهم الإجرامية.. ومرتعاً خصباً ليظلّ الوضع في اليمن ساحة مفتوحة لقوى الشرّ ولصوص المزايدات السياسية المضروبة وسوقاً مفتوحاً لنخاسي الحروب والصراعات يشيدون عليها أوهامهم الشيطانية..

إعلان العدوان من واشنطن

في المقابل الهدف الحقيقي للحرب يتمثل في شقين الأول كسر إرادة الشعب اليمني وإركاعه وفرض الوصاية والهيمنة بالقوة، وأيضاً الإنقاذ للمشروع الأميركي من الانهيار الذي عملوا على بنائه على مدى سنوات.. لا سيما بعد أن تحرك الجيش اليمني واللجان الشعبية لإزالة المخاطر وتطهير المناطق من رجس عناصر الاستخبارات المسماة قاعدة.. مما اضطر الأميركان إلى مغادرة قاعدة العند وإغلاق السفارة وتعليق النشاط المخابراتي والأمني لأنه لم يبق لهم أيّ مبرّر.. ومن هذه اللحظة هندسوا لهذا العدوان ورتبوا له العناوين والمبرّرات وكان تحت عناية ودراسة معمّقة، وفي ظلّ تكتّم رهيب، واختاروا الزمان والمكان لانطلاق هذا العدوان.. فلم يكن إعلان العدوان من واشنطن أمراً اعتيادياً، بل كان له مدلول واضح وجلي يؤكد لمن لا تزال تخالجه الشكوك بأنّ الأميركان والصهاينة هم من خططوا وأياديهم القذرة من نفذت.. وهم أيضاً شاركوا بشكل مباشر من حيث إدارة الحرب والتكتيكات المتبعة خلال هذا العدوان.. فلم يتركوا خياراً أو أسلوباً أو تكتيك إلا وعملوه لكن تفاجأوا بعظمة هذا الشعب وبقوة ورابطة جأش جيشنا ولجاننا الشعبية.. وحكمة قيادة الثورة الشعبية الممثلة بالسيد عبدالملك بدرالدين الحوثي الذي استطاع أن يدير كلّ الملفات بحنكة سياسية فائقة أذهلت كلّ المتابعين، فتجلت هذه القيادة وأظهرت أنّ لديها القدرة على المناورة والصمود والعمل على خيارات كانت سبباً في فشل ذلك التحالف والتكالب الدولي..

كما انه لم يكن في الحسبان هذا الصمود الأسطوري فهم جهلوا تاريخ هذا الشعب واستهتروا بقدرات الجيش اليمني.. ولهذا شنّوا العدوان وتكالب العالم علينا وشنّوا الآلاف من الغارات الجوية واستأجروا الجيوش وشركات القتل والإجرام ودفعوا بالقاعدة وداعش وعملوا ما عملوا.. لكن بفضل الله فشلوا وخابت آمالهم، وهم اليوم باتوا أمام واقع مرير يتحركون بكلّ السبل لأن يربحوا ولو بعض نقاط إنْ لم يكن كلها..

والشق الثاني وهو العودة للسيطرة على المنطقة وكانت البوابة اليمن لأنها تمثل المرتكز الذي يروه انه من خلاله سيتمّ السيطرة على المنطقة، وهذا يتأتّى من خلال السيطرة على الملاحة الدولية ومضيق باب المندب تحت ذريعة جديدة.. وهي منع وصول الأسلحة إلى اليمن من أيّ مكان فنتابع بين الفينة والأخرى اختلاقهم للتكهّنات والمبرّرات الواهية من اجل فرض هيمنتهم على بلدنا ويتخذّوا من إيران شماعة يتستّرون خلفها.. فيطلقون التحذيرات من إيران فيما هم يستعمرون بلدنا تحت مبرّرات هم من يصنعوها ويحركوها، وهذا يثبت أنّ وراء الأكمة ما وراءها..

وبالتالي هذا هدف استراتيجي ظلوا ولا زالوا يحاولون أن يحتفظوا بتلك القوات البحرية في خليج عدن وباب المندب من اجل أن يظلّ اليمن ضعيفاً ومحروماً من الأسلحة التي لربما يمتلكها ليدافع عن سيادته وأمنه واستقراره بالتزامن مع حراكه الشعبي التحرّري المستمرّ.. وهم حاولوا من قبل تحت ذريعة القرصنة التي بدّدتها الأحداث وباتت غير مجدية واليوم لديهم هذا المبرّر الجديد..

على الجميع أن يدرك أنّ هذا العدوان وهذا التكالب العالمي لم يأت من أجل شرعية حكومة أو شخص بعينة كما يردّدون في الأبواق الإعلامية التابعة لهم.. أو من أجل إيران، وهذا غير صحيح، وقد كشفته الأيام والأحداث…

ما تقوم به أميركا وإسرائيل اليوم في المحافظات الجنوبية في التواجد العسكري المباشر في قاعدة العند في ظلّ العدوان.. هو الترتيب لمرحلة جديدة تمثل خطراً كبيراً على اليمن والمنطقة كلها، وهذا الترتيب لم يكن وليد يومه، بل حاولوا مراراً وتكراراً أن يعملوه.. ولكن بفضل الله وفضل وعي الشعب اليمني الرافض للمشروع الأميركي والصهيوني.. فقد فشل ولم يتحقق واليوم يسارعون في ظلّ هذا العدوان أن يحققوه وان يستبقوا الأحداث ويرتبوا لهذه المرحلة الجديدة.. وما هو حاصل اليوم خير دليل على ذلك حيث تبحث أميركا عن ترتيب وضع استراتيجي في الوقت الذي وصلوا فيه إلى قناعة أنّ عدوانهم على اليمن قد فشل ولم يحقق إلا الجزء البسيط من أهدافهم.. وانه حان الوقت أن يقف هذا العدوان ولكن بالطريقة التي تراها أميركا تحفظ لهم البقاء والوجود المهيمن على اليمن..

وختاماً علينا أن ندرك انه إذا ما تحركنا كشعب يمني ضدّ المستعمر الأميركي فسوف نذوق مرارة الاستعمار، فالعراق وأفغانستان اكبر دليل لمساوئ الاستعمار بل سيكون واقعنا أسوأ منهم.. ونحن بإذن الله سنقهر المستعمر ونحطم أحلامه الاستعمارية وسيفشل ويتقهقر وسينتصر الشعب اليمني بعون الله وبإرادته الصلبة وموقفه المسؤول، وإذا ما تحرك الشعب اليمني ضدّ المحتلّ فسنصبح مستعمَرين وستُنهب ثرواتنا وستتغيّر ثقافتنا وسيكون واقعنا أسوأ من كلّ من احتلتهم أميركا في المنطقة، فعلينا جميعاً كيمنيين أن نتحد ضدّ المحتل ونكون يداً واحدة لا يفرّقنا المستعمر ونتحرك في مظاهرات وحملات شعبية صاخبة تعبّر عن السخط والغضب للشارع اليمني عما تقوم به أميركا هذه الأيام في البلاد.

alialsied gmail.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى