كفاح شعب يواصل نضاله لنيل حريته
عباس الجمعة
تشهد القضية الفلسطينية ومسارها التحرّري الذي لن يتوقف نتيجة مواصلة الشعب الفلسطيني نضاله من أجل العودة والحرية والاستقلال، تحركات واتصالات ومبادرات في قراءتها الأولى بأنها لم تصب في مصلحته، خاصة بعد تقديم أعزّ وأغلى التضحيات، فإننا نؤكد إرادة وإصرار الشعب الفلسطيني على مواصلة درب الكفاح والنضال حتى تحقيق أهدافه بالاستقلال والحرية والسيادة على أرضه ووطنه وضمان حقّ اللاجئين بالعودة إلى ديارهم وممتلكاتهم التي شُردوا منها هي الأساس باعتبار هذه الحقوق هي الثوابت الفلسطينية التي يناضل من أجلها هذا الشعب الباسل العصي على كلّ محاولات التطويع وكسر إرادته الوطنية، ولهذا نقول إنّ إيقاد شعلة الحرية في ضمير كلّ مواطن فلسطيني وكلّ إنسان عربي مهمّة كلّ وطني غيور في شعبنا وأمتنا وصولاً إلى حشد كلّ إمكانيات وطاقات هذه الأمة في معركة النضال والحرية حتى ينتزع الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة والتاريخية وفاءً لدماء الشهداء وآلام الأسرى والمعتقلين وحتى نرى القدس عاصمة أبدية لدولة فلسطين المستقلة.
وأمام كلّ ذلك نقول بكلّ وضوح إنه لم تمر فترة على القضية الفلسطينية والشعب العربي الفلسطيني أسوأ وأشدّ مما نراه في هذه الفترة، خاصة أنّ الدول العربية منشغلة منذ سنوات بهمها الخاص، حيث تشنّ عليها قوى الإرهاب والظلام والتكفير حرباً همجية مدعومة من المحور الصهيو ـ أميركي الاستعماري، كما أنّ القوى الدولية التي بمقدورها تحقيق حالة من التوازن الإقليمي والدولي منشغلة بالانتصار للدول المستهدفة الآنفة الذكر، ليس دفاعاً عنها فحسب ولكن دفاعاً عن الذات أيضاً، أما القوى والأحزاب العربية، خاصة اليسارية فهي لم تعد تمتلك قوة الضغط السياسي على دولها، باستثناء لبنان. أما القوى الفلسطينية فهي منقسمة على نفسها نتيجة التدخلات الخارجية، وتمسُّك البعض بحالة الانقسام تحت وعود بمطار وميناء رغم تعاطف العالم مع الشعب الفلسطيني في قطاع غزة رغم دعوة الفصائل والقوى الفلسطينية إلى تطبيق آليات اتفاقات المصالحة بين حركتي فتح وحماس وباقي الفصائل لإنهاء الانقسام الكارثي وتعزيز الوحدة الوطنية وحماية منظمة التحرير الفلسطينية ومشروعها الوطني، ورسم استراتيجية وطنية تستند لأشكال النضال كافة، وإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية.
وفي ظلّ هذا الواقع وأمام انتفاضة باسلة يقودها الشباب الفلسطيني جاءت المباردة الفرنسية، هذه المبادرة التي يهلل لها البعض، فلو قرأنا جيداً مضمونها، فهي لن تخرج عن إطار الدعوة إلى التنازل عن الثوابت الفلسطينية، ففرنسا واضحة في مواقفها المنحازة لدولة الاحتلال، وهنا علينا أن نفرّق بين فرنسا الشعب وقواها اليسارية وبين فرنسا الحكم، فهي لا تزال شريكاً أساسياً في معاناة واستمرار مأساة الشعب الفلسطيني والشعوب العربية، ونحن نسأل هنا: هل خرجت فرنسا وعارضت موقف الحلف الذي تنتمي إليه والقائم على ضرب سيادة واستقلال واستقرار الدول على طول وعرض الكرة الأرضية؟ هل يجوز أن يصل الشعب الفلسطيني بعد كلّ هذه التضحيات إلى تسوية لا تلبي الحدّ الأدنى من المطالب الفلسطينية، وفي ظلّ تأجيل فرنسا دعوتها إلى عقد المؤتمر الدولي حتى توافق الإدارة الأميركية، هذه الإدارة التي تقدم بسخاء غير مسبوق دعماً لكيان الاحتلال، هذا الدعم يأتي بمثابة تكريس للاحتلال وهضم الحقّ الفلسطيني مع إعطاء «إسرائيل» وضعاً أقوى يجعلها ترفض أي مبادرة للسلام، وهو ما تجلى في تصريح المدير العام لوزارة خارجيتها الذي جاء متزامناً مع الإعلان الفرنسي، والقاضي بمعارضة حكومة الاحتلال للمبادرة الفرنسية.
وفي ظلّ هذه الظروف يبدو أنّ ما لم تدركه الأوساط الدولية إلى اليوم، كما يبدو، هو أنّ التوصل إلى حلّ، عادل ودائم، لهذا الصراع، لن يتحقق عبر تكرار طرح مبادرات تستجدي كيان الاحتلال، بدلاً من إدانة سياسته وعدوانه، ولذلم نقول إنّ الطريق الوحيد يكون عبر ممارسة الضغط الدولي الحقيقي، السياسي والاقتصادي، على كيان الاحتلال لإجباره على تطبيق قرارات الأمم المتحدة، التي تدعوه إلى إنهاء احتلاله للأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة، وأحد أشكال هذا الضغط السياسي، الذي يمكن للحكومة الفرنسية اللجوء إليه هو المسارعة اليوم، وليس غداً، إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وهو اعتراف ستقدم عليه بعدها بكلّ تأكيد حكومات دول أوروبية عديدة وليس دعوة العرب إلى الاعتراف بدولة الكيان، حيث نرى أنّ القاسم المشترك الذي جمع بين المبادرات والمشاريع، فقد تمثّل، من جهة، في ضرورة الحفاظ على أفق حلّ الدولتين مفتوحاً، ومن جهة أخرى، ضرورة تأمين رعاية دولية للمفاوضات بين الفلسطينيين و«الإسرائيليين». وعليه، فقد صارت الدوائر الرسمية الفرنسية، أو تشكيل لجنة دعم دولية أو عقد مؤتمر دولي، وتلمّح إلى إمكانية قيام الحكومة الفرنسية بتقديم مشروع قرار إلى مجلس الأمن، يتضمن معايير حلّ للقضايا الكبرى المتعلقة بالصراع ويضع سقفاً زمنياً لانتهاء المفاوضات، لذلك نقول إنّ البوصلة التي تتعامل مع كلّ هذه الملفات والقضايا إن لم تكن نقطة الانطلاق والانتهاء فيها فلسطين، وما يريده الحلف الإمبريالي الصهيوني هو الحفاظ على النفوذ والمصالح الاقتصادية وفي القلب منها مصادر الطاقة وصناعتها وتسويقها هو المحرك والسبب إلى جانب أمن واستقرار الكيان الصهيوني.
نحن لا نشك ابداً في أنّ الجميع حريص على الثوابت الفلسطينية، ولكن علينا أن نرفض أي مبادرات تنتقص من الحقوق الفلسطينية، وإذا كانت هناك من مبادرة أتت على أرضية تنفيذ قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بإنهاء الاحتلال والاستيطان كاملة عن أرض فلسطين وضمان حقّ العودة للاجئين إلى ديارهم التي شردوا منها، فهذه المبادرة مرحب بها وبذلك سينتصر الموقف الفلسطيني الجماهيري ويترك صدى إعلامياً قوياً، فالتغيير في موازين القوى هي من خلال الاعتماد على الشعب الفلسطيني ونضاله وحماية انتفاضته ومواصلتها مع مقاومته الشعبية بكافة الأشكال.
ختاماً، لا بد من الدعوة إلى استنهاض الطاقات على المستوى الفلسطيني والعربي من أجل أن تبقى البوصلة فلسطين حتى تحقيق أهداف الشعب الفلسطيني بإقامة دولته الوطنية المستقلة على كامل ترابه الوطني، وعودة ملايين اللاجئين الفلسطينين إلى قراهم ومدنهم من دون قيد أو شرط، وهذا يتطلب تعزيز الوحدة الوطنية والخروج من نفق الانقسامات والخيبات على مستوى المشروع الوطني الفلسطيني، حتى يبقى الأمل زاداً للشعب الفلسطيني بمواصلة انتفاضته الباسلة ومقاومته الشعبية المتعددة الأشكال للاحتلال وسياساته الاستيطانية، هذا الشعب الذي يتحدّى الصعاب أملاً بغدٍ أفضل.
كاتب سياسي