انتهت مهلة فيينا في سورية
ناصر قنديل
– لم يعُد في الأفق ما يمكن انتظاره لإنعاش مسار جنيف والهدنة المرتبطة به، فالسياق الذي أطلقه التفاهم الروسي الأميركي وتوّجه لقاء فيينا بقيادة روسية أميركية وعدم رضا سعودي تركي قام على معادلة قوامها، ربط التقدّم بحسم جماعة الرياض ومعها جيش الإسلام وأحرار الشام للموقف من جبهة النصرة سياسياً وفك التشابك معها ميدانياً إما بالانضمام للحرب عليها أو بالانسحاب من مناطق سيطرتها. الواضح أن سلوك جماعة الرياض وفصيليها المسلحين جيش الإسلام وأحرار الشام، يقوم على إدارة الظهر لهذه المعادلة والتمسك بالتنسيق والتكامل مع النصرة، والواضح أن النصرة تلقت الرسالة وبدأت حرب حسم ضد جيش الإسلام، ورغم ذلك كان سعي جيش الإسلام وجماعة الرياض إطلاق المبادرات لمنع استمرار القتال باعتباره شقاً لوحدة الصف واقتتالاً بين أخوة سلاح، وتحقيقاً لأهداف مؤامرة تستهدف التحالف بين النصرة وجماعة الرياض، وتقديم التنازلات والتطمينات للنصرة لوقف هجماتها.
– الأساس في خيار جماعة الرياض وفريقَي جيش الإسلام وأحرار الشام هو ضآلة الحضور الميداني قياساً بجبهة النصرة التي أثبتت أنها قادرة على تصفية الفصيل الأهم الذي يمثله جيش الإسلام وفي منطقة نفوذه المركزية في غوطة دمشق وبغضون ساعات، فكيف لو قررت ذلك في مناطق أخرى، والنتيجة المترتبة على الإحساس بالهامشية العسكرية وإدراكها يعني أن الخيارات المطروحة أمام جماعة الرياض وميليشياتها خيارات تتراوح بين قبول التحول إلى مجرد يافطة سياسية بلا قوة ميدانية، تذهب للتفاوض وليس لها سوى القبول بما يعرض عليها، أو الالتحاق بشراكة مع النصرة تمنحها غطاءً سياسياً باسم المعارضة وحليفيها التركي والسعودي، مقابل استغلال التداخل والتشابك الميداني للحفاظ على موقع قوة، يوفره انتشار جبهة النصرة وحجم مقدراتها، والرهان على تحويل حروب الحسم مع النصرة مع توفير التغطية السياسية بوجهها والتحشيد الإعلامي عليها كحرب على المعارضة للحصول على هدنة تلو هدنة وصولاً لمراجعة تتيح إنعاش التفاوض بشروط جديدة.
– الواضح بالمقابل من مواقف أطراف المعادلة الميدانية، تجاهل السعي للبحث عن جواب من جماعة الرياض، فروسيا أعلنت بداية جديدة لموسم السوخوي بعد يومين وتوجّهت بالدعوة لواشنطن لمشاركتها بينما الإيرانيون والسوريون وحزب الله يحشدون القدرات لخوض جولة حاسمة مقررة أصلاً ضد جبهة النصرة. فيما يتصرف الأميركيون على قاعدة الانتقال إلى سباق من نوع آخر، هو تحشيد حلفائهم الأكراد والسوريين تحت عنوان قوات سورية الديمقراطية لفتح جبهة الرقة بوجه داعش، واختبار فرص تحقيق اختراق نوعي في هذه الجبهة، مقابل ترك الأتراك والسعوديين يخوضون تجربة إغراق الروس والسوريين والإيرانيين وحزب الله في حرب استنزاف مع جبهة النصرة والجماعات الملتحقة بها في شمال سورية، فإن حدث لها ما تريد في الجبهتين، استدارت نحو موسكو لتعديل قواعد التفاهم، وإن تحقق العكس وخسرت واشنطن رهان الرقة ونجحت موسكو في رهان النصرة، استدارت واشنطن إلى حلفائها لفرض التفاهم وتطبيقه، وإن توازنت النتائج على منتصف الطريق هنا وهناك، جرى البحث في تسوية للتسوية.
– هي الحرب إذن والكلمة للميدان.