طرطوس وأخواتها: وحدة الدم
نظام مارديني
ضرب الإسلام الداعشي اليوم في طرطوس وجبلة، فدفع أكثر من 130 شهيداً حياتهم وروحهم ودمهم ثمن بقائهم في أرضهم ومدنهم ووطنهم.. وهناك مَن يحدثنا عن «الثورة»، ولكن من بلاد الاغتراب وليس من على الأرض السورية.. لا، لم يعُد مجدياً لأحد هذا اللعب العبثي، أو السريالي، ولكأنها «رقصة التانغو» مع العدم ومع الموت على حساب السوريين المثقلين باليأس وبالخراب والدم.
وهنا ليس من السهل الكتابة عن القامشلي، المدينة التي تجلس منتظرة عودة «طوروس» إليها لتكتمل دورتها الجغرافية الطبيعية التي كانت قد سرقتها اتفاقية «سايكس بيكو» وتكرّمت بها لتركيا.
تقبع الذكريات الحزينة الآن في القامشلي وكأنها في أحد كهوف الظلام الذي يأتيها مع إسلام أميركا و«إسرائيل»: «سنأتيكم بإسلام جديد يقاتلكم ويقتلكم»..
لم يحدث يوماً ما أن تعود إلى القامشلي إلا ويعود من جديد الألم الذي يصطحبها ويصطحبنا معها الآن، بعدما كانت تضج بالحيوية لعشرات السنين، وهي الحيوية المنبثقة من مزيجها السكاني، إنه الخليط الذي يُشعِل التطور.. تطوّر أي متّحد، أو محافظة، أو دولة ـ أمة، أو أمة تامة.
عندما تغیب الرؤی وسط الأمواج المتلاطمة فی بحر السیاسة وعندما یُصرّ البعض علی إبقاء الانقسام قائماً ویرفض مغادرة المصالح الفئویة ویجري التفكیر بالأطر الضیقة من أجل الاستئثار بكل شيء، يأتي الدم ليوحّد أهل المدينة من جديد.. ثمانية شهداء في القامشلي وريفها.
ها هي خلايا الدواعش النشطة مع الخونة يتوزعون حول المكان المستهدف، كل واحد منهم يتقمّص لون المنطقة المرشحة للتفجير من حيث لون القميص والبنطال أو الدشداشة وشكل اللحية وطولها وتشذيبها حسب الشائع والمعروف عند أهلها.. يبتكرون علاقات أخوية وإسلامية مع وجوه أهل المنطقة المعروفين ومع السيطرات والدكاكين والمحال.. ثم يحددون ساعة الصفر.. فهل ندعهم كالعادة يفجّروننا ونحن واقفون في طابور الموت الطويل؟ ماذا سنفعل إذا كان هناك مَن أدمن على الخيانة؟
هؤلاء الذين جعلوا وجودهم قشرة آدمية وأصبحوا مزابل معدّة للحرق.. هؤلاء الذين تقمّصوا يهوذا «خائن الخبز والزيت والزعتر»، باعوا وطنهم كما باع يهوذا سيده.
أضحى لون الدم الأحمر القاني وشماً يُطرز أرصفتنا وشوارع مدننا، وفي حضرة الدم، يبقى العمل وليس الكلام هو الذي يستأصل الورم المذهبي الخبيث المستوطن أرواحنا منذ 1500 عام.
هل لا نزال نحتاج وسيطاً بيننا وبين الله؟
بل هل لا يزال الله يحتاج وسيطاً دينياً بيننا وبينه؟
ستبقى الشمس تشرق كل يوم، فهي قديمة جداً قدم الكون، لكنها لما تشرق على القامشلي وطرطوس وجبلة، فأنها تتجدّد كل يوم، لاستقبال الحياة بثوب أحلى وأبهى.
ستبقى تشرق على مدننا، لتؤكد أن هناك مَن هو أبرع من أبي بكر البغدادي في التقاط اللحظة التاريخية، رغم أنه واثق من أن الأيديولوجيا الإسلامية تعمل لمصلحته، ولكن وحدَها أجراس كنيسة دير السيدة العذراء على ضفاف الخابور تُقرع من جديد..
قيل إن أحدهم دخل على معاوية يسأله: إلى متى ستبقى أجراس الكنائس تُقرع، يا أمير المؤمنين؟
أجابه: دَعْها فهي تقرع أجراس النصر.
سلاماً لكنّ، يا القامشلي، ويا طرطوس، ويا جبلة… يا مدن الحرب وشلالات الدم التي لا تنتهي.