سلام من اسطنبول: لبنان ليس بلداً للتوطين

اعتبر رئيس الحكومة تمام سلام، في كلمة ألقاها خلال ترؤسه طاولة مستديرة في القمة العالمية الإنسانية في اسطنبول «أنّ تطبيق مبدأ عدم استثناء أحد مرهون بقدرة الدولة على البقاء، فإذا فشلت الدولة في ذلك سيكون الجميع مستثنين ومتروكين».

وقال سلام: «يتركز نحو تسعين في المئة من اللاجئين في العالم في الدول النامية. ويتوزع أكثر من نصف هؤلاء اللاجئين على ثمانية بلدان فقط. من الأهمية بمكان الاعتراف بأن هناك مجموعتين من الضحايا: النازحون واللاجئون من جهة، والمجتمعات المضيفة من جهة أخرى. ومن الأهمية بمكان الاعتراف بأنّ تطبيق مبدأ «عدم استثناء أحد» مرهون بقدرة الدولة على البقاء. فإذا فشلت الدولة في ذلك سيكون الجميع مستثنين ومتروكين».

وأعلن «أنّ العبء الهائل الذي يواجهه لبنان، نتيجة استقباله نازحين سوريين يوازي عددهم تقريبا ثلث عدد سكانه، يدفع البلاد نحو الانهيار، مع ما يعنيه ذلك من انهيار للاستقرار والأمن اللذين جهدنا كثيراً لتثبيتهما». وقال: «إنّ لبنان يعاني معاناة فعلية في مواجهة التداعيات الاقتصادية للنزاع في سورية. إنّ الحكومة تشعر بقلق شديد نتيجة الأحوال البائسة للمجتمعات المضيفة، ونتيجة الصعوبات التي يواجهها السوريون في جميع أنحاء البلاد».

أضاف: «لقد قدمت الحكومة اللبنانية في شباط الماضي في لندن خطة موحدة تتضمن برنامجاً طموحاً لخمس سنوات حول التربية والفرص الاقتصادية وفرص العمل، يأخذ في الاعتبار خطة لبنان للاستجابة للأزمة 2016 وأي خطط مستقبلية»، مشيراً إلى «أنّ نجاح هذه الرؤية يعتمد فقط على كيفية تجاوب الشركاء الدوليين معها ودعمهم للبنان من أجل تمكينه من تقديم المساعدة الانسانية وتأمين التعليم لجميع الأطفال، وزيادة الفرص الاقتصادية وخلق فرص عمل».

وقال: «هناك حاجة إلى مقاربة جديدة في التعامل مع النزوح القسري. ومثل هذه المقاربة يجب أن تستند إلى جهود دولية وإقليمية ووطنية متماسكة تعترف بالاحتياجات الإنسانية والتحديات التنموية التي يسببها التهجير، سواء بالنسبة للمجتمعات المضيفة أو بالنسبة للاجئين والنازحين»، مؤكداً «أنّ هناك حاجة إلى قدر أكبر من التضامن من أجل التعامل مع التبعات الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية لاستضافة أعداد كبيرة من اللاجئين والنازحين. ومن واجبنا أيضاً أن نشجع وندعم حلولاً آمنة وكريمة ودائمة للنازحين واللاجئين. وفي هذا الخصوص، يؤكد لبنان الحاجة إلى جعل عودة اللاجئين والنازحين واحدة من الأولويات الرئيسية في المساعي الرامية إلى إيجاد حلول دائمة، ويعلن استعداده لدعم أي جهد يبذل في هذا الاتجاه».

وتابع: «لقد أعلن لبنان مراراً منذ بدء الأزمة في آذار 2012 أنّ المساعدة الإنسانية وحدها لا تشكل حلاً، وأنّ الجواب يكمن في معونات تنموية تهدف إلى تحفيز نمو مستدام من شأنه خلق فرص عمل ومكافحة الفقر، سواء في المجتمعات المضيفة أو في صفوف النازحين واللاجئين. واليوم أكثر من أي وقت مضى، يبقى هذا النموذج هو الأصلح، علماً بأنّ الأولوية، أثناء السعي لايجاد حلول دائمة، يجب أن تكون دائماً عودة النازحين واللاجئين».

وقال: «وفي انتظار هذه الحلول، فإننا سنبقى ملتزمين واجباتنا الإنسانية تجاه إخواننا السوريين، متمسكين في الوقت نفسه بالمبدأ المكرس في دستورنا، وهو أن لبنان ليس بلداً للتوطين».

وختم سلام كلمته، مؤكداً «أنّ لبنان، كبلد صغير، يولي أهمية كبرى لمبادىء القانون الدولي والقانون الانساني الدولي، ولقيم الديموقراطية والمساواة والعلاقات الودية بين الدول». وقال: «إنّ التسامح والتنوع والتضامن في لبنان ليست مجرد شعارات، بل هي ركائز أساسية لوجودنا وثمرة تضحيات غالية قدمناها على مدى عقود. إنّ لبنان سوف يحاول، بتجربته الفريدة، المواءمة بين الحاجة الى تنمية مستدامة وبين احترام الحرية الفردية والمبادرة الخاصة».

وكان سلام أكد في خلال فطور صباحي على شرف رؤساء الوفود المشاركة في القمة، أنّ «بلدنا لا يستطيع، بحكم دستوره، أن يقبل أو يوافق على أي شكل من اشكال دمج السوريين أو توطينهم أو تجنيسهم».

وأكد «أنّ الحلّ السياسي هو وحده السبيل إلى إنهاء النزاع في سورية»، معرباً عن اعتقاده «أنّ العودة التدريجية للنازحين السوريين إلى مناطق آمن في بلدهم، ستؤثر بلا أدنى شك على مسار عملية المصالحة».

وقال: «تظهر الإحصاءات أنّ اللاجئين يتطلعون للعودة إلى أوطانهم. لكنّ التاريخ يعلمنا أنه كلما طال أمد النزوح كلما خفت حماسة النازحين للعودة. إنّ هذا الأمر يشكل خطراً لا يستطيع أي طرف من الأطراف المعنيين مواجهته. فسورية لا تستطيع أن تواجه التحدي الذي يمثله نزوح أعداد هائلة من أبنائها، ولا الأردن وتركيا وغيرهما يقبل بتوطين دائم للسوريين على أراضيه. أما بالنسبة إلى لبنان، فإننا نكرّر ما قلناه دائماً من أنّ بلدنا لا يستطيع، بحكم دستوره، أن يقبل أو يوافق على أي شكل من اشكال دمج السوريين أو توطينهم أو تجنيسهم. إنّ عودة اللاجئين الذين فروا من وطنهم يجب أن تكون إحدى الأولويات الرئيسية. ونحن ندعو الأمين العام إلى تفعيل دور الأمم المتحدة وحشد الطاقات الأخرى من أجل تحقيق هذه الغاية بالتعاون مع الأطراف المعنيين».

وختم سلام: «إنّ هذه القمة هي مناسبة لتحفيز الشركاء ولجمع الدعم لملايين الاشخاص المحتاجين إلى المساعدة الإنسانية في جميع أنحاء العالم. فلنستعمل الزخم الذي يمثله وجودنا هنا من أجل إرسال رسالة تضامن قوية».

وعلى هامش مشاركته في القمة، كانت لسلام لقاءات مع مسؤولين عرب وأوروبيين، حيث التقى المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، والرئيس الفلسطيني محمود عباس، ورئيسي جمهورية ووزراء موريتانيا محمد ولد عبد العزيز ويحيى ولد حمدين، ووزير خارجية دولة الفاتيكان الكاردينال بيترو بارولين، في حضور وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس، وزير التربية والتعليم العالي الياس بو صعب.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى