شواهد «الاعتدال» في «أخيار» أميركا!
علي قاسم
رئيس تحرير «الثورة» ـ سورية
تستطيع أميركا أن تدافع عن «اعتدال» إرهابييها إلى ما شاءت !!.. وأن توفر الحماية السياسية والدبلوماسية والبروتوكولية وحتى الأممية أيضاً.. وأن تحول دون تصنيفهم في لائحة التنظيمات الإرهابية، وبمقدورها أيضاً أن ترعى مُشغّليهم وأن تغض الطرف عن أدوارهم الخطرة التي تهدد الاستقرار، ليس في المنطقة فقط، بل وفي العالم كله، وأن تدير ظهرها إلى المبادرات والطروحات كلها، وأن تدفن رأسها في الرمال تعامياً عن الحقائق وعن المجازر البشعة والمروّعة التي يخلّفها إرهاب «معتدليها» بـ»أخيارهم وأشرارهم».
لكنها لن تستطيع أن تتجاهل أن هذا الإرهاب الذي ضرب المدنيين في طرطوس وجبلة وما سبقهما أيضاً هو نتاج سياستها، وأن دماء الأبرياء الذين سقطوا ستبقى عالقة في أعناقها قبل غيرها، وأنها تتحمّل أكثر من سائر أدواتها ومُشغّلي الإرهاب الإقليميين ورُعاتهم الدوليين المسؤولية المباشرة، ولن يكون بمقدورها بعد اليوم أن تحاجج في اعتدالهم ولا في شواهد إرهابهم، ولا أن تبرر تسويفها ولا أن تُعلل رفضها وتعطيلها لدور مجلس الأمن في تصنيفهم ضمن التنظيمات الإرهابية.
وربما لن يكون باستطاعة أميركا أن تدّعي ما زعمته في الماضي حول مكافحة الإرهاب، ولا أن تدافع عن مموّليه ورُعاته، كما كانت تفعل دائماً، إلا أن ذلك كله لا يعني أن أميركا ستعدّل من نهجها.. أو أنها ستبدّل من سياستها.. أو أنها ستعيد النظر في معاييرها وضوابط سلوكها، أو قد تفكر في التأثير بنهج وسياسة تعاطي الـمُشغّلين الإقليميين لإرهابييها، أو أنها بصدد العدول عن سياسة التصعيد والتسخين التي أوكلت تنفيذها لأدواتها، ولن تقول إنها لم تنشغل أو أنها لم تَدُر ظهرها لما يجري، فيما الوكلاء والـمُشغّلون يتولون ما بقي وما سيأتي.
هذا محال، كما هو محال أن يُوقف المشغلون والمموّلون دعمهم للإرهابيين، أو يتوقف الإرهابيون عن تنفيذ ما يستطيعون، أو أن يستثنوا منطقة أو بلدة أو قرية سورية من هذا الإرهاب، سواء كانت في خط المواجهة أم خارجه، وسواء كانت عصية في الماضي أم لم تكن، وهو ما نجزم أنه العنوان والمصطلح والسلوك والنهج والسياسة المقبلة التي تقتضي أن يكون لها ما يوازيها.
فالتصعيد الإرهابي المسبوق بحملة شحن إرهابية في الإعلام والسياسة والتحشيد والدعوات للإرهاب كان واضحاً أنه يشي بما حصل، وكان يؤشر إلى الاتجاه والوسيلة والطريقة حتى لو اختلفت بعض تفاصيله، أو تباينت مناطق استهدافه، أو تعدّلت بعض مظاهره الدالة عليه، لكنّه كان هو ذاته الذي اعتدنا عليه مع ذروة الفشل ومع قمّة العجز، ومع لحظة فاصلة بين جولة مدّ أميركية في ميدان الإرهاب وحلقة توكيل إضافي للإرهابيين ومُشغّليهم الإقليميين مع البعض الدولي الذي لا يزال يراهن على مزيد من الصفقات المشبوهة ولو كان إلى حين.
في تجارب المواجهة مع الإرهاب كانت إرادة السوريين تزداد، وتصميمهم على المواجهة مع الإرهاب يرتفع، واليوم تمضي هذه الإرادة لتقول ما يجب أن يُقال بعيداً عن رتوش السياسة وعن تعاليم الدبلوماسية ونعومة التعابير الفضفاضة، أو تلك المرتبطة بمقتضياتها، بأن أولوية مكافحة الإرهاب التي ارتجّت في بعض جوانبها نتيجة مماحكات السياسة لا بدّ أن تعود إلى موقعها وموضعها في صدارة الهم والاهتمام، مع ما تتطلبه التطورات الأخيرة من إضافات نوعية على وجودها وحضورها، بحيث تتحوّل إلى معركة مفتوحة لا تحدّها مداولات السياسة الكاذبة، ولا وعود التفاهمات الواهمة، حيث لا فرق بين «النصرة وداعش» وكل مَن يحمل السلاح مهما تكن الذرائع، فالنيات الطيبة لا تحارب الإرهاب ولا تجابه مُشغّليه ورُعاته، ولا حديث مع الإرهابيين إلا ما يقوله السلاح.
وغير ذلك سيكون مجرد ذريعة للتسويف حتى إشعار آخر، وربما مبرراً لمزيد من أعمال الإرهاب، وقد يكون أيضاً فسحة إضافية للتنظيمات الإرهابية كي توغل في إجرامها، ومساحة لـمُشغّليهم لمزيد من القتل والدمار والخراب بوكالة أميركية تم تجديد صلاحية استخدامها، وإعادة ترميم ما أصابها من تهتّك وعطب بعد أن تباينت الأولويات أو اختلفت المقاربات أو تواجهت الحسابات والمعادلات بين الـمُشغّلين ورُعاتهم الدوليين.
ما جرى في طرطوس وجبلة بمشاهده المروّعة.. بدماء الشهداء.. بآلام الجرحى وأوجاعهم.. بصراخ الأطفال.. ورعب التفاصيل.. كان المنعطف في التصعيد الإرهابي..هذا صحيح، لكنه كان شواهد دامغة على «اعتدال» إرهابيي أميركا أيضاً، ليكون نقطة التحول النوعي في المواجهة معه ومع مُشغّليه وداعميه ومموّليه، حيث كان ما قبله وسيكون ما لحق به دافعاً كي تتجنبه مناطق أخرى، فدماء الشهداء الذين سقطوا لا بد أن توفر على السوريين المزيد من الدماء، وأن آلام الجرحى ستحول دون معاناة المزيد من السوريين، لتكون حدّاً فاصلاً يُسدل الستار على مصطلحات التهدئة والمهادنة ووقف الأعمال القتالية التي دفنتها أعمال الإرهاب الوحشية برعاية الكف الأميركية المفرودة إلى أقصاها تفويضاً للإرهاب ودعماً لحُماته ومُشغّليه ومموّليه.
تنشر بالتزامن مع الزميلة «الثورة» ـ سورية